[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في إطار التجديد الدائم والبحث عما يفيد المتصفح الكريم أقترح عليكم هذه النافذة الجديدة بعنوان (( مقال جدير بالقراءة واستلهام العبر )) ونستهلها بمقال صدر بجريدة الشروق ليوم 02 أوت 2014 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الدكتور عبد القادر فضيل لـ"الشروق" / الجزء الأول
مصطفى الأشرف كان يصف العربية بـ"لغة الحروز والمختلفين"
حوار: وردة بوجملين
جريدة الشروق ليوم 02 أوت 2014
ذكر الدكتور عبد القادر فضيل، أحد أبرز خبراء التربية والتعليم في الجزائر، أن رئيس الحكومة آنذاك سيد أحمد غزالي ألغى قانون التعريب حيث بعث رسالة إلى المجلس الاستشاري الوطني يخبر أعضاءه فيها بأنه لو تمّ تطبيق هذا القانون فإن "علاقاتنا مع بقية الدول ستضيع" على حدّ زعمه، وكان هذا القانون الذي صدر على مستوى المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ساحقة، يتضمن خطة لتعميم استعمال اللغة العربية في كل الإدارات والهيئات والمؤسسات وفي المحيط العام انطلاقاً من 5 جويلية 1992.
لو نتحدث عن جذور صراع التعريب في المنظومة التربوية الجزائرية منذ الاستقلال ماذا يقول السيد عبد القادر فضيل؟
الصراع اللغوي بدأ بداية طبيعية، لأن فرنسا لم تعلّم اللغة العربية ولم تدرجها في المنظومة التي كانت تسيّرها.
وعند الاستقلال وجدنا أنفسنا أمام منظومة موروثة خالية من الدين واللغة العربية ومن التاريخ الجزائري، ولهذا فكرت الدولة منذ الموسم الدراسي الأول في إدراج هذه الجوانب الثلاث: اللغة العربية لغة رسمية في جميع المناهج والتربية الإسلامية وأدرجت تصحيح التاريخ، لأن التاريخ الذي كان يُعلّم بطريقة أخرى، حيث كانوا يحاولون ترسيخ فكرة أنه لا أصل لنا وأننا بدون هوية، ولهذا فنحن تابعون إليهم.
ومن هنا بدأت فكرة الصراع اللغوي، كما أن فرنسا عندما دخلت إلى الجزائر اتجهت رأسا صوب المقومات، لأنها تدرك بأنه لو بقي الشعب متمسكا بهويته فلن يقبل الاستعمار، ولهذا اتجهت مباشرة نحو اللغة، كما تصرفت كذلك في الدين، حيث استولت على الأوقاف والمساجد التي كانت تسيّر شؤون الدين وأبقت المساجد ولكنها كانت تتحكم في تعيين الأئمة وتحديد نشاط المساجد، المهم أنها لم تحذف الدين ولكنها حذفت اللغة وحرّمت تعليمها وتعلمها، ورغم ذلك فقد عجزت عن منعها في الزوايا والكتاتيب وقيدتها بالمراقبة والشروط، وحتى المعلمون الذين كانوا في جمعية العلماء المسلمين التي تأسست سنة 1931، حيث توجهت جمعية العلماء المسلمين إلى بناء المدارس لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، وأرسلهم ابن باديس إلى تونس ليتعلموا ويرجعوا، كانت فرنسا تراقبهم وتتابع وتسجن بعضهم، وكان هدفها أن تجعلهم يسأمون ويبتعدون عن هدفهم، فمنهم من هجر البلد ومنهم من سُجن، ولهذا فالمتنفس الوحيد الذي تتنفس منه اللغة العربية كان من خلال الذين درسوا في الزوايا أو المدارس الخاصة أو في المشرق أو المغرب أو في تونس، هؤلاء هم الذين كانوا يدرّسون اللغة العربية إما بطرق خفية أو معلنة ولكن بشروط، فإذا أراد شخص أن يفتح مدرسة وسمحوا له فسيكون ذلك بشروط، ومنها يعلم القرآن ولا يفسّره ولا يعلّم التاريخ، هذا هو الوضع الذي كرسته فرنسا قبل الاستقلال.
هذا لا يعني أن جمعية العلماء المسلمين لم تنجز شيئا في هذا الاتجاه؟
بالعكس، ففي لقاء قام به العلامة الراحل عبد الحميد ابن باديس، مع ثلة من العلماء قال لهم: إنه يجب أن يعالج وضعنا في الجزائر وكان ذلك سنة 1929.
وماذا كان يقصد بضرورة معالجة الوضع؟
كان قد بدأ التخطيط للفكرة سنة 1913 بالمدينة المنوّرة عندما التقى البشيرَ الإبراهيمي هناك وتحاورا في شأن الجزائر وشأن الاستعمار، كيف يمكن أن يهتموا بالتعليم الذي يغرس الوعي ويفتح أعينَ الناس على تاريخهم وثقافتهم وعلى دينهم حتى لا ينسوا حضارتهم وتاريخهم، فجمعية العلماء عندما تأسست بدأت بالتفكير في خمسة أشياء: بناء المدارس، وبجانب المدرسة بناء المسجد، لأن المدرسة للصغار والمسجد للكبار، كما فكّروا في فتح نوادي للشباب، يعلّمون فيها التاريخ ويحاضرون في أمور الدنيا، كما فكروا في تأسيس الجرائد لأن الصحافة هي التي تنقل الفكر الذي أرادوا نشره، وتنظيم الفرق الرياضية والكشفية من أجل المحافظة على الهوية الوطنية.
وعندما جاء الاستقلال لم نجد إلا هؤلاء الذين درسوا في المدارس الحرة على يد جمعية العلماء المسلمين أو درسوا في تونس أو المغرب، بدأنا بهم الموسم الدراسي الأول وحتى أولئك الذين درسوا العربية في السجون، لأن فرنسا سجنت الكثير من المعلمين أو المشايخ وبعد خروجهم في بداية الاستقلال اعتمدنا عليهم في عملية التدريس.
ذكرت أنكم وجدتم نظاما تعليميا قائما بعد الاستقلال، كيف تعاملتم معه؟
أوجدت مدارس وبرنامج ولغة، ولم يكن ممكناً تغيير النظام لأن الاستقلال تمّ في 5 جويلية 1962 والموسم الدراسي كان في سبتمبر، ولم يكن ممكناً أن نغيّر النظام التربوي في شهرين. تركنا المدرسة كما هي وتركنا التعليم ومقابل ذلك أدخلنا اللغة العربية وبدأنا نكوّن المعلمين من جديد وأيضا صححنا برامج تدريس التاريخ وانطلقنا.
يبدو أن الإبقاء على النظام الفرنسي في التدريس هو السبب المباشر الذي كرّس الوضع السائد في المدرسة الجزائرية اليوم؟
الموروثات أو المخلّفات التي كانت في الموسم السابق هي التي بقيت تسري؛ ففي الموسم الدراسي الأول بدأنا بترسيم اللغة العربية، وفي الموسم الثالث، من 1964 إلى 1965 أدخلنا اللغة العربية كأداة للتعليم بعدما كانت مادة للتعليم فقط، فعربنا السنة الأولى من التعليم الابتدائي تعليما كاملا وبعدها بسنة عرّبنا الثانية ثم السنتين الثالثة والرابعة، أربع سنوات كانت معربة يدرس فيها التلاميذ كل المواد باللغة العربية، وحدث هذا بين سنتي 1962 إلى 1970، وفي سنة 1971 بدأ التفكير يتطور وقلنا إن هذه اللغة التي أصبحت لغة للتعليم يجب أن تتحول إلى أداة لتدريس المواد العلمية، فإلى غاية السنة الرابعة التلاميذ يدرسون باللغة العربية وهذا مفروغ منه ولكن ابتداء من السنة الخامسة يتم تقسيم التلاميذ إلى قسمين قسم يدرس اللغة الفرنسية وقسم باللغة الوطنية.
ما هو الدافع إلى هذا التقسيم؟
الدافع من وراء هذا التقسيم هو افتقارنا للإمكانيات اللازمة لتدريس المواد العلمية، بينما كنا مكتفين من حيث تدريس المواد الأدبية فقد كانت تُدرّس كلها باللغة العربية، بينما الفيزياء والكيمياء والحساب والعلوم باللغة الفرنسية، ولذلك سمينا في ذلك الوقت الأقسام المعربة والأقسام المزدوجة والفرق بين هؤلاء وأولئك يكمن فقط في لغة تدريس المواد العلمية فقط، إذن صدر قرارُ تعريب ثلث الأقسام في الابتدائي وثلث الأقسام في المتوسط وثلث الأقسام في الثانوي تمهيداً لتعميمها على كامل الأقسام، وسمينا في ذلك الوقت هذا التعريب سنة 1971 بـ"التعريب النقاطي" والمقصود به الانطلاق من نقطة والتوسع تدريجيا إلى أن يتحقق التعريب في كل الأطوار، وبهذا بدأت اللغة العربية تتنفس وتجد مدلولها، كما استعنا بالمشارقة كذلك حيث جلبنا أساتذة من سوريا والعراق ومصر وعرّبنا الكتب التي كانت تدرّس المواد العلمية وبدأنا تدريسها باللغة العربية.
جاءت بعدها سنة 1976 التي طُرح فيها ملف التعريب بقوة، ماذا حدث بالضبط؟
غيَّرنا النظام القديم، بعد أن ارتأينا ضرورة استحداث نظام وطني خاص بنا.
ما هي الخطوات التي اعتمدت في تطبيق هذا القرار؟
ارتأينا أن المدرسة التي بدأنا بها التعليم في الجزائر لم تكن جزائرية بل كانت مدرسة فرنسية في لغتها وأهدافها وبرامجها ونظامها ولكن بدأنا نغيّرها تدريجيا بدءاً باللغات ثم بالنظام والإطارات، بدأت الكفاءات الجزائرية تتولى مهمة التعليم والإدارة، المدير جزائري، والمفتش جزائري، والتوجيهات الرسمية تصبح جزائرية، وشيئا فشيئا بدأنا نقرّبها من المجتمع الجزائري وفي سنة 1976 اكتملت النظرة والدراسة حول الصفة التي ينبغي أن تكون عليها المدرسة الجزائرية وحددنا النصوص الرسمية التي صدرت سنة 1976 والتي صدرت تحت اسم "النشرية الرئاسية"، وأمضاها الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله، حددنا فيها كل الجوانب المتعلقة بالمنظومة التعليمية الجزائرية بما فيها القوانين والنظام والمواد الضرورية وكان بن محمود وزيرا للتربية، وفي تلك السنة أُمضي على النص وكان من المفروض أن ننطلق سنة 1977 في تطبيق القانون الجديد، ولكن الرئيس بومدين عيَّن وزيرا جديدا هو مصطفى الأشرف، كان له رأي غير الرأي الذي بنينا عليه النظام التربوي.
هل خالف الأشرف أوامر بومدين؟
هو لم يخالف بومدين ولكن خالف النظام الذي تأسس؛ ففي نظره اللغة العربية مازالت غير مهيأة لتعميمها في التعليم، لهذا نستمر في التدريس بالطريقة القديمة حتى تكتمل الصورة، وبعثنا الأشرف في وفد إلى تونس التي كان لهم توجّه نحو الازدواجية اللغوية، وطلب منا أن نجلب التجربة التونسية إلى الجزائر.
أراد تطبيق النظام التونسي في الجزائر، هل أفلح؟
لا، لم يفلح، كنت من بين أعضاء الوفد الذي ذهب إلى تونس، أذكر أن وزير التربية التونسي مزالي هو الذي استقبلنا وكان من المناضلين، وعندما طرحنا عليه الفكرة حذرنا قائلاً "إيّاكم" وقال لنا "التجربة التونسية ليست ناجحة"، وأضاف "درستُ في فرنسا 15 سنة وبالنسبة لي العربية هي مثل أمي، وإذا كانت أمي ليست متحضّرة فأنا من يجعلها متحضرة ولا أهملها وأستغني عنها"، وكانت تونس تعدّ معلماً لتدريس اللغتين العربية والفرنسية معا وقال لنا وزير التربية في ذلك الوقت "المعلم إما أن يكون معلما باللغة العربية أو الفرنسية ويستحيل إيجاد معلم يتقن تدريس لغتين بنفس المستوى"، ولكن ما وقع من رفض واعتراض منا بالإضافة تراجع عن القرار، وكنت شخصيا كلما أصدر الأشرف قرارا غير مناسب أقوم بإيصاله إلى عبد الكريم عبادة الذي كان نائب محافظ العاصمة في الحزب الواحد في ذلك الوقت ويقوم بإيصاله إلى محمد صالح يحياوي الذي كان أمينا عاما للحزب ويقوم بدوره بنقله إلى بومدين.
هل كانت هناك خلافات بين الأشرف وهواري بومدين؟
لم تكن تلك الخلافات ظاهرة، ويقال إنه يوجد أشخاص من المحيطين ببومدين هم الذين شجّعوه في ذلك الوقت على تنصيب الأشرف وزيراً وأقنعوه بأنه شخص كفء، وبالفعل هو رجلٌ مثقف ولكنه عاش خارج الجزائر، ولم يكن يعرف الجزائر جيداً من الداخل، ولهذا كان يظن بأن العربية التي نعمل بها هي العربية التي كان يكتب بها الشيوخ "الحروز" وكان يصفها بـ"لغة المتخلفين".
ومن الأخطاء التي ارتكبها بومدين تعيينه لرضا مالك في وزارة الاتصال ورحال في التعليم العالي، وأعتقد أن بومدين أخطأ في هذه النقاط بالذات، وعندما أدرك ذلك عيّن بدل الأشرف محمد الشريف خروبي وزيرا للتربية وهو مع
لو نعود قليلا إلى الوراء، عندما عدتم من تونس ماذا قلتم للأشرف؟
قلنا له إنه يستحيل أن نجد معلما يمتلك اللغتين ويدرّسهما معاً ولا يمكن تطبيق هذا المخطط.
ألم يصرّ على موقفه ورأيه؟
هو لا يستطيع ذلك، فقد حاول أن يستأنس بالتجربة التونسية، وعندما كانت هذه التجربة في غير صالحنا سكت عن الأمر، ثم جاء التغيير سريعا، فهو لم يبق على رأس الوزارة لأكثر من سنتين وأعيد تعيين محمد شريف خروبي وزيرا للتربية في ذلك الوقت، وفي اليوم الثاني من تعيينه بعث في طلبي بالسائق إلى البيت وعندما ذهبت قال لي "يجب أن نتعاون، أنا لا أعرف ماذا يجري في هذه الوزارة وأنت إطار من إطارات الوزارة"، فقلت له "أنا مستعد لمساعدتك من بعيد" فقال لي "يجب أن تدخل إلى الوزارة" ومن هنا بدأت المعركة.
ما هي النقاط التي حاولتم تصحيحها؟
حاولنا أن نطبّق النظام الذي اُقترح في 1976 وتمّ تجميدُه من طرف الأشرف لمدة سنتين، وعندما جاء خروبي بدأنا نحضر لتطبيق التعليم الأساسي والنظام التربوي الجديد وكنت من بين الإطارات التي ساهمت في تحديد النصوص والتقارير التي عرضها شريف خروبي على لجنة التربية في الحزب، والتي كانت بمثابة الهيئة العليا التي توجه الأفكار والسياسة وبدأنا بالتعليم الأساسي في 1980، كان كل شيء جاهزا وشرعنا عندها في تأليف الكتب الجديدة والتوجيهات الجديدة وتابعنا تكوين المعلمين في معاهد خاصة بتكوينهم.
تحدّثتم عن معاهد تكوين المعلمين، لماذا اختفت؟
هذه المعاهد اختفت بقرار من الوزير الأسبق بن بوزيد، الذي قال إن تكوين المعلمين يكون في الجامعة واختفى عندها 60 معهداً لتعليم المعلمين بعد أن حولوهم إلى مدارس وهيئات أخرى.
يقال إن وزراء الداخلية الجزائرية كلهم سعوا إلى محاربة التعريب، هل هذا صحيح؟
أذكر أن الوزير زرهوني عندما تولى مهمة الإعلان عن نتائج إحدى الاستحقاقات الانتخابية، كان يتحدث بالفرنسية وقال للذين طلبوا منه الحديث بالعربية "بيننا ضيوف"، نفس الشيء حدث مع سيد أحمد غزالي عندما كان وزيرا للخارجية، حيث راسلنا من أجل الحصول على بعض المعلومات حول المؤسسات التربوية التي تعتمد النظام الداخلي، وراسل الوزارة باللغة الفرنسية، ولكنني امتنعت عن تزويده بالمعلومات التي طلبها لأنه راسلنا بلغة أجنبية وقلت في نفسي لعله يأخذ درساً، ولكنه راسل وزير التربية مرة أخرى -وكان في ذلك الوقت محمد الميلي وزيرا للتربية الوطنية- بنفس اللغة وبنفس الختم الذي كان بالفرنسية هو الآخر، جاء فيها ما يلي: "كاتبناكم وطلبنا منكم معلومات وبعد انتظارنا تلقينا الإجابة ولكن الإجابة التي حصلنا عليها لا تحمل المطلوب -ومعنى هذا أنه يشكو مني- ولذلك فنحن نلح في طلب المعلومات" فحوّلها الوزير إليّ وطلب مني أن أجيبه، فأجبته وبطريقة أكثر صرامة من الأولى وقلت له في الرسالة التي بعثت له بها: "إلى السيد وزير الشؤون الخارجية -وكان في ذلك الوقت سيد أحمد غزالي- فعلاً كاتبتمونا في التاريخ الفلاني ولكننا أجبناكم في التاريخ الفلاني والدليل على ذلك الرسالة المرفقة والتي شرحنا لكم فيها الأسباب التي جعلتنا لا نقدّم لكم المعلومات ومع ذلك استكثرتم علينا الكتابة إلينا باللغة العربية وتعمّدتم مكاتبتنا باللغة الفرنسية وأنتم تعلمون مسبقا بأن إجابتنا الثانية ستكون نفس الإجابة الأولى وهي الرفض"، فتخلى سيد أحمد غزالي عن المعلومات التي كان يريدها ولم يعاود مراسلة الوزارة، وأعتقد أن الأسباب التي جعلتنا نخسر المعركة هي غياب أشخاص يكافحون من أجل اللغة العربية.
جاء بعد بن بوزيد وسياسة الإصلاحات، كيف كانت المرحلة؟
بن بوزيد جاء بعد مدة طويلة، ولكن أعتقد أنه من المهم أن نتحدث عن محطة ما بعد الانفتاح السياسي، والتي لعبت دورا أساسيا في واقع المشهد التربوي اليوم؛ ففي عهد الحزب الواحد كانت الأمور تسير بنوع من الصرامة ولا أحد يتجرأ ويقف أمام المبادئ حتى وإن كانت لا تطبَّق كما ينبغي.
أما بعد التسعينيات فقد تغيّر الأمر وبدأت المناورات، جاء علي بن محمد وما وقع له عندما دبّروا طريقة للدخول إلى المراكز التي تصور فيها موضوعات البكالوريا وسرقوا المواضيع ووزعوها في الشوارع، هي مناورة خطيرة، كما أن الأشخاص الذين نفذوها ليسوا بالعاديين، وكتبت في ذلك الشهر مقالا يحمل عنوان "ثلاثة فضائح في شهر واحد"، فضيحة البكالوريا وفضيحة اغتيال الرئيس محمد بوضياف وفضيحة تجميد مشروع التعريب، وقد كتب رئيس الحكومة آنذاك غزالي في أواخر شهر جوان 1992 رسالة إلى المجلس الاستشاري الذي كان يقوم مقام المجلس الشعبي الوطني المُعطل، يزعم فيها بأنه "لو تمّ تطبيق هذا القانون فإن علاقاتنا مع بقية الدول ستضيع"، وكان هذا القانون الذي صدر على مستوى المجلس الشعبي الوطني وصادق عليه جميع النواب، ويتضمن خطة لتعميم استعمال اللغة العربية في الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية وكذا تعريب المحيط العام على أن يدخل حيّز التنفيذ ابتداءً من 5 جويلية 1992 .
هل كان يقصد فرنسا؟
لا أدري، ولكن كل مراسلاتهم مع الدول الأجنبية كانت باللغة الفرنسية، وقلنا لهم في ذلك الوقت إن قانون تعميم التعريب يحدد جيدا عند عقد أيّ اتفاقية أو مراسلة مع دولة أخرى أن تكون المراسلة بلغتيْ البلدين، وهذا يعني أن التعريب لا يمنعك من التعامل مع الآخر، ولكن أراد التلاعب في هذا الأمر رغم أن والده كان مفتشا للغة العربية.
يتبع في الجزء الثاني [/color
ملاحظة : كنت أحد طلبة الدكتور عبد القادر فضيل في المركز الوطني لتكوين إطارات التربية لمدة سنتين من 1992 إلى 1994 وكان يشرف على تقديم مادة التربية العامة للمفتشين المتربصين بالمركز الوطني ، حصصه كانت ممتعة ومفيدة جدا
في إطار التجديد الدائم والبحث عما يفيد المتصفح الكريم أقترح عليكم هذه النافذة الجديدة بعنوان (( مقال جدير بالقراءة واستلهام العبر )) ونستهلها بمقال صدر بجريدة الشروق ليوم 02 أوت 2014 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الدكتور عبد القادر فضيل لـ"الشروق" / الجزء الأول
مصطفى الأشرف كان يصف العربية بـ"لغة الحروز والمختلفين"
حوار: وردة بوجملين
جريدة الشروق ليوم 02 أوت 2014
ذكر الدكتور عبد القادر فضيل، أحد أبرز خبراء التربية والتعليم في الجزائر، أن رئيس الحكومة آنذاك سيد أحمد غزالي ألغى قانون التعريب حيث بعث رسالة إلى المجلس الاستشاري الوطني يخبر أعضاءه فيها بأنه لو تمّ تطبيق هذا القانون فإن "علاقاتنا مع بقية الدول ستضيع" على حدّ زعمه، وكان هذا القانون الذي صدر على مستوى المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ساحقة، يتضمن خطة لتعميم استعمال اللغة العربية في كل الإدارات والهيئات والمؤسسات وفي المحيط العام انطلاقاً من 5 جويلية 1992.
لو نتحدث عن جذور صراع التعريب في المنظومة التربوية الجزائرية منذ الاستقلال ماذا يقول السيد عبد القادر فضيل؟
الصراع اللغوي بدأ بداية طبيعية، لأن فرنسا لم تعلّم اللغة العربية ولم تدرجها في المنظومة التي كانت تسيّرها.
وعند الاستقلال وجدنا أنفسنا أمام منظومة موروثة خالية من الدين واللغة العربية ومن التاريخ الجزائري، ولهذا فكرت الدولة منذ الموسم الدراسي الأول في إدراج هذه الجوانب الثلاث: اللغة العربية لغة رسمية في جميع المناهج والتربية الإسلامية وأدرجت تصحيح التاريخ، لأن التاريخ الذي كان يُعلّم بطريقة أخرى، حيث كانوا يحاولون ترسيخ فكرة أنه لا أصل لنا وأننا بدون هوية، ولهذا فنحن تابعون إليهم.
ومن هنا بدأت فكرة الصراع اللغوي، كما أن فرنسا عندما دخلت إلى الجزائر اتجهت رأسا صوب المقومات، لأنها تدرك بأنه لو بقي الشعب متمسكا بهويته فلن يقبل الاستعمار، ولهذا اتجهت مباشرة نحو اللغة، كما تصرفت كذلك في الدين، حيث استولت على الأوقاف والمساجد التي كانت تسيّر شؤون الدين وأبقت المساجد ولكنها كانت تتحكم في تعيين الأئمة وتحديد نشاط المساجد، المهم أنها لم تحذف الدين ولكنها حذفت اللغة وحرّمت تعليمها وتعلمها، ورغم ذلك فقد عجزت عن منعها في الزوايا والكتاتيب وقيدتها بالمراقبة والشروط، وحتى المعلمون الذين كانوا في جمعية العلماء المسلمين التي تأسست سنة 1931، حيث توجهت جمعية العلماء المسلمين إلى بناء المدارس لتعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، وأرسلهم ابن باديس إلى تونس ليتعلموا ويرجعوا، كانت فرنسا تراقبهم وتتابع وتسجن بعضهم، وكان هدفها أن تجعلهم يسأمون ويبتعدون عن هدفهم، فمنهم من هجر البلد ومنهم من سُجن، ولهذا فالمتنفس الوحيد الذي تتنفس منه اللغة العربية كان من خلال الذين درسوا في الزوايا أو المدارس الخاصة أو في المشرق أو المغرب أو في تونس، هؤلاء هم الذين كانوا يدرّسون اللغة العربية إما بطرق خفية أو معلنة ولكن بشروط، فإذا أراد شخص أن يفتح مدرسة وسمحوا له فسيكون ذلك بشروط، ومنها يعلم القرآن ولا يفسّره ولا يعلّم التاريخ، هذا هو الوضع الذي كرسته فرنسا قبل الاستقلال.
هذا لا يعني أن جمعية العلماء المسلمين لم تنجز شيئا في هذا الاتجاه؟
بالعكس، ففي لقاء قام به العلامة الراحل عبد الحميد ابن باديس، مع ثلة من العلماء قال لهم: إنه يجب أن يعالج وضعنا في الجزائر وكان ذلك سنة 1929.
وماذا كان يقصد بضرورة معالجة الوضع؟
كان قد بدأ التخطيط للفكرة سنة 1913 بالمدينة المنوّرة عندما التقى البشيرَ الإبراهيمي هناك وتحاورا في شأن الجزائر وشأن الاستعمار، كيف يمكن أن يهتموا بالتعليم الذي يغرس الوعي ويفتح أعينَ الناس على تاريخهم وثقافتهم وعلى دينهم حتى لا ينسوا حضارتهم وتاريخهم، فجمعية العلماء عندما تأسست بدأت بالتفكير في خمسة أشياء: بناء المدارس، وبجانب المدرسة بناء المسجد، لأن المدرسة للصغار والمسجد للكبار، كما فكّروا في فتح نوادي للشباب، يعلّمون فيها التاريخ ويحاضرون في أمور الدنيا، كما فكروا في تأسيس الجرائد لأن الصحافة هي التي تنقل الفكر الذي أرادوا نشره، وتنظيم الفرق الرياضية والكشفية من أجل المحافظة على الهوية الوطنية.
وعندما جاء الاستقلال لم نجد إلا هؤلاء الذين درسوا في المدارس الحرة على يد جمعية العلماء المسلمين أو درسوا في تونس أو المغرب، بدأنا بهم الموسم الدراسي الأول وحتى أولئك الذين درسوا العربية في السجون، لأن فرنسا سجنت الكثير من المعلمين أو المشايخ وبعد خروجهم في بداية الاستقلال اعتمدنا عليهم في عملية التدريس.
ذكرت أنكم وجدتم نظاما تعليميا قائما بعد الاستقلال، كيف تعاملتم معه؟
أوجدت مدارس وبرنامج ولغة، ولم يكن ممكناً تغيير النظام لأن الاستقلال تمّ في 5 جويلية 1962 والموسم الدراسي كان في سبتمبر، ولم يكن ممكناً أن نغيّر النظام التربوي في شهرين. تركنا المدرسة كما هي وتركنا التعليم ومقابل ذلك أدخلنا اللغة العربية وبدأنا نكوّن المعلمين من جديد وأيضا صححنا برامج تدريس التاريخ وانطلقنا.
يبدو أن الإبقاء على النظام الفرنسي في التدريس هو السبب المباشر الذي كرّس الوضع السائد في المدرسة الجزائرية اليوم؟
الموروثات أو المخلّفات التي كانت في الموسم السابق هي التي بقيت تسري؛ ففي الموسم الدراسي الأول بدأنا بترسيم اللغة العربية، وفي الموسم الثالث، من 1964 إلى 1965 أدخلنا اللغة العربية كأداة للتعليم بعدما كانت مادة للتعليم فقط، فعربنا السنة الأولى من التعليم الابتدائي تعليما كاملا وبعدها بسنة عرّبنا الثانية ثم السنتين الثالثة والرابعة، أربع سنوات كانت معربة يدرس فيها التلاميذ كل المواد باللغة العربية، وحدث هذا بين سنتي 1962 إلى 1970، وفي سنة 1971 بدأ التفكير يتطور وقلنا إن هذه اللغة التي أصبحت لغة للتعليم يجب أن تتحول إلى أداة لتدريس المواد العلمية، فإلى غاية السنة الرابعة التلاميذ يدرسون باللغة العربية وهذا مفروغ منه ولكن ابتداء من السنة الخامسة يتم تقسيم التلاميذ إلى قسمين قسم يدرس اللغة الفرنسية وقسم باللغة الوطنية.
ما هو الدافع إلى هذا التقسيم؟
الدافع من وراء هذا التقسيم هو افتقارنا للإمكانيات اللازمة لتدريس المواد العلمية، بينما كنا مكتفين من حيث تدريس المواد الأدبية فقد كانت تُدرّس كلها باللغة العربية، بينما الفيزياء والكيمياء والحساب والعلوم باللغة الفرنسية، ولذلك سمينا في ذلك الوقت الأقسام المعربة والأقسام المزدوجة والفرق بين هؤلاء وأولئك يكمن فقط في لغة تدريس المواد العلمية فقط، إذن صدر قرارُ تعريب ثلث الأقسام في الابتدائي وثلث الأقسام في المتوسط وثلث الأقسام في الثانوي تمهيداً لتعميمها على كامل الأقسام، وسمينا في ذلك الوقت هذا التعريب سنة 1971 بـ"التعريب النقاطي" والمقصود به الانطلاق من نقطة والتوسع تدريجيا إلى أن يتحقق التعريب في كل الأطوار، وبهذا بدأت اللغة العربية تتنفس وتجد مدلولها، كما استعنا بالمشارقة كذلك حيث جلبنا أساتذة من سوريا والعراق ومصر وعرّبنا الكتب التي كانت تدرّس المواد العلمية وبدأنا تدريسها باللغة العربية.
جاءت بعدها سنة 1976 التي طُرح فيها ملف التعريب بقوة، ماذا حدث بالضبط؟
غيَّرنا النظام القديم، بعد أن ارتأينا ضرورة استحداث نظام وطني خاص بنا.
ما هي الخطوات التي اعتمدت في تطبيق هذا القرار؟
ارتأينا أن المدرسة التي بدأنا بها التعليم في الجزائر لم تكن جزائرية بل كانت مدرسة فرنسية في لغتها وأهدافها وبرامجها ونظامها ولكن بدأنا نغيّرها تدريجيا بدءاً باللغات ثم بالنظام والإطارات، بدأت الكفاءات الجزائرية تتولى مهمة التعليم والإدارة، المدير جزائري، والمفتش جزائري، والتوجيهات الرسمية تصبح جزائرية، وشيئا فشيئا بدأنا نقرّبها من المجتمع الجزائري وفي سنة 1976 اكتملت النظرة والدراسة حول الصفة التي ينبغي أن تكون عليها المدرسة الجزائرية وحددنا النصوص الرسمية التي صدرت سنة 1976 والتي صدرت تحت اسم "النشرية الرئاسية"، وأمضاها الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله، حددنا فيها كل الجوانب المتعلقة بالمنظومة التعليمية الجزائرية بما فيها القوانين والنظام والمواد الضرورية وكان بن محمود وزيرا للتربية، وفي تلك السنة أُمضي على النص وكان من المفروض أن ننطلق سنة 1977 في تطبيق القانون الجديد، ولكن الرئيس بومدين عيَّن وزيرا جديدا هو مصطفى الأشرف، كان له رأي غير الرأي الذي بنينا عليه النظام التربوي.
هل خالف الأشرف أوامر بومدين؟
هو لم يخالف بومدين ولكن خالف النظام الذي تأسس؛ ففي نظره اللغة العربية مازالت غير مهيأة لتعميمها في التعليم، لهذا نستمر في التدريس بالطريقة القديمة حتى تكتمل الصورة، وبعثنا الأشرف في وفد إلى تونس التي كان لهم توجّه نحو الازدواجية اللغوية، وطلب منا أن نجلب التجربة التونسية إلى الجزائر.
أراد تطبيق النظام التونسي في الجزائر، هل أفلح؟
لا، لم يفلح، كنت من بين أعضاء الوفد الذي ذهب إلى تونس، أذكر أن وزير التربية التونسي مزالي هو الذي استقبلنا وكان من المناضلين، وعندما طرحنا عليه الفكرة حذرنا قائلاً "إيّاكم" وقال لنا "التجربة التونسية ليست ناجحة"، وأضاف "درستُ في فرنسا 15 سنة وبالنسبة لي العربية هي مثل أمي، وإذا كانت أمي ليست متحضّرة فأنا من يجعلها متحضرة ولا أهملها وأستغني عنها"، وكانت تونس تعدّ معلماً لتدريس اللغتين العربية والفرنسية معا وقال لنا وزير التربية في ذلك الوقت "المعلم إما أن يكون معلما باللغة العربية أو الفرنسية ويستحيل إيجاد معلم يتقن تدريس لغتين بنفس المستوى"، ولكن ما وقع من رفض واعتراض منا بالإضافة تراجع عن القرار، وكنت شخصيا كلما أصدر الأشرف قرارا غير مناسب أقوم بإيصاله إلى عبد الكريم عبادة الذي كان نائب محافظ العاصمة في الحزب الواحد في ذلك الوقت ويقوم بإيصاله إلى محمد صالح يحياوي الذي كان أمينا عاما للحزب ويقوم بدوره بنقله إلى بومدين.
هل كانت هناك خلافات بين الأشرف وهواري بومدين؟
لم تكن تلك الخلافات ظاهرة، ويقال إنه يوجد أشخاص من المحيطين ببومدين هم الذين شجّعوه في ذلك الوقت على تنصيب الأشرف وزيراً وأقنعوه بأنه شخص كفء، وبالفعل هو رجلٌ مثقف ولكنه عاش خارج الجزائر، ولم يكن يعرف الجزائر جيداً من الداخل، ولهذا كان يظن بأن العربية التي نعمل بها هي العربية التي كان يكتب بها الشيوخ "الحروز" وكان يصفها بـ"لغة المتخلفين".
ومن الأخطاء التي ارتكبها بومدين تعيينه لرضا مالك في وزارة الاتصال ورحال في التعليم العالي، وأعتقد أن بومدين أخطأ في هذه النقاط بالذات، وعندما أدرك ذلك عيّن بدل الأشرف محمد الشريف خروبي وزيرا للتربية وهو مع
لو نعود قليلا إلى الوراء، عندما عدتم من تونس ماذا قلتم للأشرف؟
قلنا له إنه يستحيل أن نجد معلما يمتلك اللغتين ويدرّسهما معاً ولا يمكن تطبيق هذا المخطط.
ألم يصرّ على موقفه ورأيه؟
هو لا يستطيع ذلك، فقد حاول أن يستأنس بالتجربة التونسية، وعندما كانت هذه التجربة في غير صالحنا سكت عن الأمر، ثم جاء التغيير سريعا، فهو لم يبق على رأس الوزارة لأكثر من سنتين وأعيد تعيين محمد شريف خروبي وزيرا للتربية في ذلك الوقت، وفي اليوم الثاني من تعيينه بعث في طلبي بالسائق إلى البيت وعندما ذهبت قال لي "يجب أن نتعاون، أنا لا أعرف ماذا يجري في هذه الوزارة وأنت إطار من إطارات الوزارة"، فقلت له "أنا مستعد لمساعدتك من بعيد" فقال لي "يجب أن تدخل إلى الوزارة" ومن هنا بدأت المعركة.
ما هي النقاط التي حاولتم تصحيحها؟
حاولنا أن نطبّق النظام الذي اُقترح في 1976 وتمّ تجميدُه من طرف الأشرف لمدة سنتين، وعندما جاء خروبي بدأنا نحضر لتطبيق التعليم الأساسي والنظام التربوي الجديد وكنت من بين الإطارات التي ساهمت في تحديد النصوص والتقارير التي عرضها شريف خروبي على لجنة التربية في الحزب، والتي كانت بمثابة الهيئة العليا التي توجه الأفكار والسياسة وبدأنا بالتعليم الأساسي في 1980، كان كل شيء جاهزا وشرعنا عندها في تأليف الكتب الجديدة والتوجيهات الجديدة وتابعنا تكوين المعلمين في معاهد خاصة بتكوينهم.
تحدّثتم عن معاهد تكوين المعلمين، لماذا اختفت؟
هذه المعاهد اختفت بقرار من الوزير الأسبق بن بوزيد، الذي قال إن تكوين المعلمين يكون في الجامعة واختفى عندها 60 معهداً لتعليم المعلمين بعد أن حولوهم إلى مدارس وهيئات أخرى.
يقال إن وزراء الداخلية الجزائرية كلهم سعوا إلى محاربة التعريب، هل هذا صحيح؟
أذكر أن الوزير زرهوني عندما تولى مهمة الإعلان عن نتائج إحدى الاستحقاقات الانتخابية، كان يتحدث بالفرنسية وقال للذين طلبوا منه الحديث بالعربية "بيننا ضيوف"، نفس الشيء حدث مع سيد أحمد غزالي عندما كان وزيرا للخارجية، حيث راسلنا من أجل الحصول على بعض المعلومات حول المؤسسات التربوية التي تعتمد النظام الداخلي، وراسل الوزارة باللغة الفرنسية، ولكنني امتنعت عن تزويده بالمعلومات التي طلبها لأنه راسلنا بلغة أجنبية وقلت في نفسي لعله يأخذ درساً، ولكنه راسل وزير التربية مرة أخرى -وكان في ذلك الوقت محمد الميلي وزيرا للتربية الوطنية- بنفس اللغة وبنفس الختم الذي كان بالفرنسية هو الآخر، جاء فيها ما يلي: "كاتبناكم وطلبنا منكم معلومات وبعد انتظارنا تلقينا الإجابة ولكن الإجابة التي حصلنا عليها لا تحمل المطلوب -ومعنى هذا أنه يشكو مني- ولذلك فنحن نلح في طلب المعلومات" فحوّلها الوزير إليّ وطلب مني أن أجيبه، فأجبته وبطريقة أكثر صرامة من الأولى وقلت له في الرسالة التي بعثت له بها: "إلى السيد وزير الشؤون الخارجية -وكان في ذلك الوقت سيد أحمد غزالي- فعلاً كاتبتمونا في التاريخ الفلاني ولكننا أجبناكم في التاريخ الفلاني والدليل على ذلك الرسالة المرفقة والتي شرحنا لكم فيها الأسباب التي جعلتنا لا نقدّم لكم المعلومات ومع ذلك استكثرتم علينا الكتابة إلينا باللغة العربية وتعمّدتم مكاتبتنا باللغة الفرنسية وأنتم تعلمون مسبقا بأن إجابتنا الثانية ستكون نفس الإجابة الأولى وهي الرفض"، فتخلى سيد أحمد غزالي عن المعلومات التي كان يريدها ولم يعاود مراسلة الوزارة، وأعتقد أن الأسباب التي جعلتنا نخسر المعركة هي غياب أشخاص يكافحون من أجل اللغة العربية.
جاء بعد بن بوزيد وسياسة الإصلاحات، كيف كانت المرحلة؟
بن بوزيد جاء بعد مدة طويلة، ولكن أعتقد أنه من المهم أن نتحدث عن محطة ما بعد الانفتاح السياسي، والتي لعبت دورا أساسيا في واقع المشهد التربوي اليوم؛ ففي عهد الحزب الواحد كانت الأمور تسير بنوع من الصرامة ولا أحد يتجرأ ويقف أمام المبادئ حتى وإن كانت لا تطبَّق كما ينبغي.
أما بعد التسعينيات فقد تغيّر الأمر وبدأت المناورات، جاء علي بن محمد وما وقع له عندما دبّروا طريقة للدخول إلى المراكز التي تصور فيها موضوعات البكالوريا وسرقوا المواضيع ووزعوها في الشوارع، هي مناورة خطيرة، كما أن الأشخاص الذين نفذوها ليسوا بالعاديين، وكتبت في ذلك الشهر مقالا يحمل عنوان "ثلاثة فضائح في شهر واحد"، فضيحة البكالوريا وفضيحة اغتيال الرئيس محمد بوضياف وفضيحة تجميد مشروع التعريب، وقد كتب رئيس الحكومة آنذاك غزالي في أواخر شهر جوان 1992 رسالة إلى المجلس الاستشاري الذي كان يقوم مقام المجلس الشعبي الوطني المُعطل، يزعم فيها بأنه "لو تمّ تطبيق هذا القانون فإن علاقاتنا مع بقية الدول ستضيع"، وكان هذا القانون الذي صدر على مستوى المجلس الشعبي الوطني وصادق عليه جميع النواب، ويتضمن خطة لتعميم استعمال اللغة العربية في الإدارات والهيئات والمؤسسات العمومية وكذا تعريب المحيط العام على أن يدخل حيّز التنفيذ ابتداءً من 5 جويلية 1992 .
هل كان يقصد فرنسا؟
لا أدري، ولكن كل مراسلاتهم مع الدول الأجنبية كانت باللغة الفرنسية، وقلنا لهم في ذلك الوقت إن قانون تعميم التعريب يحدد جيدا عند عقد أيّ اتفاقية أو مراسلة مع دولة أخرى أن تكون المراسلة بلغتيْ البلدين، وهذا يعني أن التعريب لا يمنعك من التعامل مع الآخر، ولكن أراد التلاعب في هذا الأمر رغم أن والده كان مفتشا للغة العربية.
يتبع في الجزء الثاني [/color
ملاحظة : كنت أحد طلبة الدكتور عبد القادر فضيل في المركز الوطني لتكوين إطارات التربية لمدة سنتين من 1992 إلى 1994 وكان يشرف على تقديم مادة التربية العامة للمفتشين المتربصين بالمركز الوطني ، حصصه كانت ممتعة ومفيدة جدا
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
الإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
الثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك
» كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
الأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri
» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
الإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams
» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams
» بالمحبة والاقتداء ننصره.
الأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams
» Le Nom .مراجعة
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد