[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
نلتقي من جديد مع مقال من مقالات الصديق لمباركية نوار الصادر بجريدة صوت الأحرار:أرسلها لي عن طريق البريد الألكتروني لنشرها
الحلقة الأولى ـ العدد:5152 ـ الاثنين 12 جانفي 2015 ـ الصفحة:16يوم سياحي في "تونس الصغرى"لمباركية نوّار ـ باتنة
رانت على قلبي طبقات كدر اكتسحت نفسي، وكادت أن تفتر عزيمتها وتخرس تصميمها. فرحت أفتش عن مسل ينسيني ويذهب عني القلق، ويحقق لي أمنية الانتعاش مما أصابني، ويهيئ لي أسباب البرء. ولم أجد أحسن من الضرب في الأرض سياحة وتقليبا للنظر في خلق الله على صفحة كتابه المفتوح الطبيعة الصماء، أو فيما خلفته يد الإنسان من آثار وأطلال وبصمات. وتذكرت أن لي موعدا ظلت الظروف تؤجله لزيارة "تونس الصغرى" التي تجثم على كومة من تاريخ زكي قديم لم ينج من أفاعيل السنوات التي أبلته ومحت بريقه. وراحت هي أن تواصل عيشها متهدلة وبائسة في وحشية النسيان بعد أن كانت حاضرة علمية من بين الحواضر التي يتنافس طلبة العلم للوصول إليها. واستطاعت مدرستها أن تملأ مسامع الدهر وأن تشغل مدارك الناس زهاء قرنين كاملين من الزمن تسلقت فيهما مدارج الازدهار والتفوق، ولاح عبرهما نجمها كما يلوح شعاع الصباح بين الفجاج الدامسة.
أما الاسم: "تونس الصغرى"، فهو يدل عن كنية قذف بها الشبه في جانب راق من جوانب النشاط الإنساني التي تسمو بها مسيرات المجتمعات البشرية. وليس لتضاريس الأرض أو لسحنات المعمار أية ذكر في تشكيل هذا التشابه. وأما الاسم الحقيقي، فهو: "خنقة سيدي ناجي"، وهي تسمية مركبة التصق فيه اسم إنسان مع قطعة من الطبيعة، وتفاعلا معا في انجذاب ليكونا شاهدين على ميلاد وتنامي دورة من دورات الحضارة المصغرة في ركبها الزماني.
تقع خنقة سيدي ناجي في نقطة من نقاط الزاب الشرقي التي يلامس فيها الأوراس الصحراء لما تذهب مرتفعاته نازلة في انحدارها نزولا منتظما لا يعرف التهور والطيش. وما يدمي الفؤاد هو أن التشبيه الذي رفع من مقام هذه البلدة الطيبة في ماضيها البعيد والتليد وزادها رفعة وتشريفا، لم يعد اليوم ساريا أو متداولا أو مقبولا من طرف زوارها. وإنما ولى متواريا مع عقود الغرس الحسان في مجال التربية والتعليم وتحفيظ القرآن الكريم ومدارسة المتون والسجالات الفكرية الراقية. وكم هو متعب لنفسه في بخع من يبحث في الوقت الحاضر عن الوجه الذي يصلح عليه التشبيه الفارط ويستقيم. ومَن مِن بني البشر يخون حواسه و يقوى على دعوة عجوز شمطاء تجعد وجهها وترهلت عضلات جسمها، وغادرها شبابها بالفتاة الحسناء؟؟.
سلمت خنقة سيدي ناجي، في يوم تأسيسها، من سخف المدن الكبيرة وملوثاتها ومقلقاتها وزحامها ومكدرات العيش فيها. ورأت أن تستلقي في خندق خنيق ضاقت رحابه، وهو موضع خفيض على جنب ضفة من ضفاف "وادي العرب". وأحاطت نفسها بمرتفعات جبال ششار الشاهقة من دون أن يصيبها كدر العزلة أو قلق الوحدة أو ضجر الاختناق. ومع علمها بتبدل مزاج وادي العرب من الهدوء إلى الهيجان، ومن السيلان إلى الفيضان إلا أنها جاورته غير مبالية بتغير أحواله واضطرابه بين الحين والحين. ومثلما قبلت مدينة عكا الفلسطينية أن تجاور البحر الأبيض المتوسط من دون أن تخشاه، فقد رضيت بلدة خنقة سيدي ناجي أن تجثم على ركبتيها في هناء على قطعة منعطفة في اعوجاج بائن من ضفاف وادي العرب. وهذه واحدة من سمات هذه البلدة الجسورة التي واجهت بصدر عار، وبقلب شجاع من يهدد وجودها، وان تستمد منه أهم عنصر من عناصر الحياة التي تبني الحضارات. وخالفت في اختيارها عادة القرى التي تركب ظهور المرتفعات حتى تقي سكانها من مباغتة الأعداء والغزاة والطامعين.
وإن كان من عادة الوديان أنها تشق المدن والقرى، وتشطرها كما يشطر المقص قطعة الورق، فإن خنقة سيدي ناجي لم تمكن وادي العرب من اختراق جسمها وتقسيم كيانها. ولو أذنت له الزحف في وسطها، لتسبب في دك مساكنها واندثارها وانقراض معالمها منذ زمن بعيد. وحينئذ، يصبح حالها من حيث الذكر كحال مدينة مأرب التي ابتلعتها مياه سدها الشهير يوم أن تمردت بعض حجارته وانزلقت من أماكنها مخلفة ممرات وجدت فيها مياهه منافذ للتخلص من الحجْر والحجز. ولا يعد هذا الفعل من الأفعال المستعصية عن وادي العرب العملاق، والذي يصنف من أكبر وديان منطقة الأوراس. وقد استأثر، لكبر مجراه وطوله، بالمنطقة الشرقية منها لوحده. وقابله في الناحية الغربية منها ثلاثة وديان هي: الوادي الأبيض ووادي عبدي ووادي بوزينة. وقد بلغ هذا الوادي الفاره حدا من الضخامة لا يوصف في بعض نقاطه، مما يعني أن روافده التي يقدم بعضها حتى من منطقة بوحمامة القريبة من جبل شليا كثيرة ومتعددة. وبسبب عنفوانه، راح يلتهم الصخور على جانبيه بالتكسير والتفتيت، وبالدفع والنقل حتى بلغ عرضه عشرات الأمطار في بعض نقاطه. واستدلالا على ذلك، تكفي الإشارة إلى أنه أقيم عليه جسر حديث وفريد امتد لما يزيد عن مائة متر قريبا من قرية الولجة. وكلما جرت فيه المياه عنيفة إلا وكان جريانها صاخبا ومرفوقا بتوقع حدوث أهوال وكوارث. وكان سكان خنقة سيدي ناجي يخشون قدومه في السنوات المطيرة أمام قصور حيلهم في مقاومة عصبيته. وكانت أعناقهم تشرئب لسماع هدير أصوات أمواجه المتلاطمة والمدوية التي تبلغ آذانهم قبل أن تطل مياهه عليهم. فلما تتزاحم وتتدافع هذه الأخيرة لعبور مضيق صخري تقاربت شفتاه ترتطم به محدثة صوتا قويا ومزلزلا. وكان صوته بمثابة إنذار لهم لاتخاذ الاحتياطات مسبقا قبل أن يهجم عليهم مهددا وجودهم. ولم يكن يفشل في جرف كل ما يصادفه في طريقه جرفا يشبه التهوّر الاستعراضي. وكانت الأحداث المرافقة لجريانه الشديد تخلف، في كل مرة، ما يشبه الخوارق العجيبة والنوادر الغريبة. وقد سمعت من يروي أنه حمل حمارا، ذات مرة، وأوقعه على قمة نخلة من نخلات واحة خنقة سيدي ناجي، وظل الحمار عالقا في احتراز على سعفاتها الصلبة، ولم يسعف حتى هدأت ثورته. ولا تنتهي رحلة مياه وادي العرب عند خنقة سيدي ناجي أو قريبا منها، وإنما تستمر في رحلتها إلى أن ترتمي في أحضان الصحراء الشرقية كالشارد المتمرد.
تقوم علاقة قرية سيدي ناجي بوادي العرب على التوجس، وهو بمثابة حبل مشنقة ملفوف حول عنقها لا تعرف متى يغدر بها. ويزيد المنحدر الذي رست فيه سكانها هلعا وفزعا؛ لأن انبساط الأرض الذي تراه العين في موقعها هو انبساط محسور، ولا يستوعب الماء الطافح بشكل يحميهم من المصائب. ولما فكر أوائل من سكنوها من أبنائها في إنشاء واحتها لتكون موردا من موارد غذائهم، رموا بها في وسط ممر الوادي. وفرض على نخلاتها النحيفات أن تقف في بيئة رملية مجاورة الصخور المستديرة والضخمة التي ساقتها القوة الكامنة في المياه المنزلقة. ولربما أخفت هذه الفكرة حيلة ترمي إلى أن تظل جذور أشجار النخيل تمتص من الماء الذي غاص في طبقات التربة السفلى، وبذلك تقاوم الجفاف الذي يعتبر أول أعداء الشجرة. وتعمل، من جهة ثانية، على التقليل من سرعة مياه الوادي كلما قدمت قبل أن تنعطف في سيرها، وبذلك تؤدي دورها في وقاية وحماية السكنات.
كان وادي العرب وما يزال نعمة ونقمة في نظر سكان خنقة سيدي ناجي. فإن كان قد أراحهم من عناء البحث المُلح عن مياه الشرب والسقي التي تحتاجها بساتينهم، فإن جولات النزاعات والمناوشات بينهم وبين جيرانهم من سكان قرية ليانة بالخصوص تكاد لا تخفت. وكانت نيران النزاعات تشتعل بينهم كلما لاحظ أهل ليانة أن منسوب مياه الوادي قد انخفض عن معدله العادي، وأن الجفاف يقف على الأبواب للغدر بمزروعاتهم. ولم تكن عقود الصلح التي يتوافق عليها الجانبان تعمر طويلا حتى تنقض ويضرب بها عرض الحائط ، فيفتح المجال لتبادل التهم واستيقاظ الشكاوى وانبعاث بذور الخلافات من جديد.
يشكل الفن المعماري وجها من أوجه علو أو تردي مستوى تفكير الإنسان في أي موضع ينزل فيه. والمعمار في خنقة سيدي ناجي علامة مميزة ودالة على التمدن والرقي. وتعبر السكنات القديمة التي سيطر عليها النمط الصحراوي عن حكمة وسداد نظر من أقام تخطيطها وأكمل تشييدها. ويدل تجاورها عن مدى التلاحم بين قاطنيها، ويعكس سيادة مظاهر التفاهم والألفة بينهم. ولا يقرأ في تقارب البيوتات سوى تلاحم القلوب وانتشار أواصر الود والتآخي بين من يعمرها. وإن روعيت المتانة والمقاومة في تشييد جدران المساكن، ووضعت حرمة السكان موضع التقدير من حيث اختيار أماكن الأبواب التي تؤدي إليها ورفعت النوافد الصغيرة حتى أصبحت قريبة من السقوف، فإن الأزقة والممرات لم تتعرج، وإنما ضاقت إلى حدود قد تحرج المارة، أحيانا. ولما عرف سكان خنقة سيدي ناجي بالنباهة، فقد تفطنوا، منذ الوهلة الأولى، إلى مخاطر نضوح المياه الباطنية على سطح الأرض وما تسببه من خطر على مبانيهم. ولصد خطر المياه الطافحة عملوا على مقاومتها باكرا، وشيدوا أسافل جدران مساكنهم من حجارة صلدة أحسنوا تشكيلها ورصها لمنع صعود الماء الخاضع لقوة الخاصية الشعرية إلى اللبنات الترابية التي تعلوها، ومنع الشقوق والتصدعات من تهديد مساكنهم دكا وانهيارا.
عقدت خنقة سيدي ناجي القديمة قبل أن تتمدد وتتوسع علاقة مع العدد خمسة الذي يبرز كعلامة مميزة كلما أشير إلى عدد أبوابها أو سواقيها أو حاراتها أو مساجدها. وختمت هذه العلاقة بأن جعلت سوقها الأسبوعية تنعقد كل يوم خميس. وما يثير الانتباه، اليوم، هو أن خنقة سيدي ناجي القديمة لم تعد مهولة بالسكان، فقد غادرها كل قاطنيها إما إلى الأحياء الجديدة التي أقيمت على أرض مسطحة وبعيدا عن وادي العرب، أو ذهبوا في هجرات بعيدة لم يعودوا بعدها.
توافق الخنقيون فيما بينهم توافقا رائعا محا كل أوصاف التفريق وأباد علامات الاختلاف بينهم، فلم يعد من معنى للانتماء القبلي الذي ينمي الفرقة والتداحر. وأصبح العنوان الوحيد الذي يضمهم هو الانتماء إلى بلدتهم خنقة سيدي ناجي في حب واعتزاز وهم يستحضرون في قلوبهم شعورا مشرفا ومشتركا مستمدا من ماضي بلدتهم المجيد وكنوز تراثها الوضاء. واعتقد أن جيرانهم القريبين منهم أعجبوا بانصهارهم وتماهيهم في بوتقة الخنقة عن رضى، فقالوا عنهم ومن باب مدح تماسكهم: (إذا رميت حجرا في خنقة سيدي ناجي، فلن يقع إلا على رأس خنقي). ومعنى ذلك، أن الهُوية السائدة والجامعة هي هُوية الانتماء للخنقة دون غيرها. وحتى يقضي الخنقيون على مساوئ التنافس الهالك فيما بينهم، فقد وزعوا المَهمَّات الحياتية بالتوافق، ومنحوا الإمارة والوجاهة الإدارية إلى عائلة ابن حسين، وفازت عائلة بلمكي بالمكانة العلمية المتقدمة والفتوى وتقدم مجالس الصلح. في حين، كان التصوّف والروح الجهادية المقاومة من حظ عائلة الشيخ عبد الحفيظ.
يتعجب المرء لما يعرف أن الشيخ الشاعر عاشور الخنقي الذي قضى حياته يمتدح الأشراف، ويرفع مكانتهم بين الناس، يتعجب لما يعرف أنه خنقي المولد والنشأة لسلاطة لسانه وجرأته على هجاء رجال الإصلاح هجاء مرا بما في ذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس ومؤدبه الشيخ الصالح بن مهنا. فالخنقيون أهل أدب وخلق، واحترام ومسامحة، ولين وظرافة. وهم، أيضا، أصحاب كرم وضيافة، وشرف وأنفة، وذوق ووداعة، ونكتة ودعابة. ولا يترددون في استقبال ضيفهم بملامح فرحة وشفاه مبتسمة قبل أن يطعموه من قراهم. وعلى نفس السجية وجدنا مضيفنا الشيخ عبد الكريم دريدي الذي يعد من الوجهاء الذين يتقدمون الصفوف في خنقة سيدي ناجي. ومثلما استقبل الدكتور أبا القاسم سعد الله لما ذهب في زيارة إلى خنقة سيدي ناجي في مطلع ثمانينيات القرن المندثر، وأطعمه جوزا وعسلا، فإنه أحسن وفادتنا ومرافقتنا منذ حللنا ضيوفا عليه صباحا حتى افتراقنا قبيل صلاة العصر. وقد دعانا إلى مسكنه الجديد بعد أداء صلاة الجمعة في مسجد سيدي المبارك الجامع، ووضع أمامنا على خوان الأكل وجبة تقليدية لذيذة، وترجانا أن نأكل منها حتى التخمة. ولم يبخل بمعلوماته علينا، فلما وقفنا أمام أحد مساكن عائلة ابن حسين الذي صمم تصميما فريدا وكأنه صومعة لتخزين حبوب الحقول، حدثني عن معاناته أثناء الثورة كمعلم يحفّظ الصبيان آيات وسوّر القرآن الكريم والتي بلغ فيها جور إدارة الاستعمار حدا لا يطاق. واسترجع معي بعضا من ذكرياته عن الأيام الخوالي مع قاضي الثورة في تلك الربوع الشيخ مصطفى تيمقلين الذي كان يزوره في نهاية كل شهر ليدفع له أجرته التي كانت تفوق أجرة مجاهد يحمل السلاح، وأظهر إعجابه بأخلاقه وصفاء سريرته. والشيخ مصطفى تيمقلين هو شقيق الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الذي درس في مدرسة خنقة سيدي ناجي، وضمنت له عائلة ابن حسين الكريمة الإيواء من مسكن وطعام ومصروف الجيب، وغيرها، واعتبرته واحدا من أبنائها.
يفتخر أهل خنقة سيدي ناجي بتزايد حفظة القرآن الكريم في قريتهم مع دوران الأيام وتعاقب السنين. وجرت بينهم توصية أخذت صورة النادرة الشاذة، وفحواها أنه يمكن لمن تعاظمت في قلبه رغبة حفظ القرآن الكريم أن يباشر كتابة سطور لوحته وهو سائر في طريقه مبتغيا قضاء حوائجه من غير أن يتكلف الجلوس في حلقات الكتاتيب القرآنية. ويكفيه أن يدق الأبواب التي يمر أمامها، ويسأل عن الكلمات أو الجمل الموالية للكلمة التي توقف عندها، فسيجد
من يرد عليه برحابة صدر، ويلبي طلبه، ويملي عليه متممات سطوره.
يزيد عمر خنقة سيدي ناجي، اليوم، عن أربعة قرون من الزمن، فقد تأسست في سنة 1602م على يد سيدي المبارك الذي نسبها تكرما منه إلى جده الأول سيدي ناجي في مكان كان موئلا وموردا مفضلا لطيور النعام. ويكاد يختصر مجد هذه البلدة العريقة في عنوانين اثنين، وهما المدرسة الملاصقة لمسجد سيدي المبارك المشيد في سنة 1734م، والتي تعتبر من بين الحواضر العلمية المرموقة في المغرب الإسلامي في زمن مضى. وسميت هذه المدرسة بالمدرسة الناصرية نسبة إلى أحمد بناصر الذي بناها وجهزها من خالص ماله، وفي الزاوية التي أسسها الولي الصالح الشيخ سيدي عبد الحفيظ الذي برز دوره أكثر في ميدان مصارعة الاستعمار الفرنسي في زمن الانتفاضات الشعبية مما أكسبه وجاهة ومهابة وجدارة.
عندما اقتربنا من الباب الخشبي لمسجد سيدي المبارك الذي جدد بناؤه، لفت الشيخ عبد الكريم دريدي نظري إلى مدقتيه الحديديتين المثبتتين به للتفريق بين الأصوات التي تحدثانها. وبالتجريب وجدت أن إحداهما تثير صوتا قويا نسبيا كلما حركتها الأيدي لإسماع من يجلس في ركن بعيد من أركان المسجد. في حين كانت الصوت الذي يصدر عن الثانية ناعما ورقيقا، ولا يسمعه إلا من كان قريبا من الباب. ويعزى هذا الفرق إلى خصائص المعدن الذي صنعت منه كل مدقة. وبالقرب من المسجد، وقفنا مترحمين على ضريح الرجل الزاهد محمد بن حسين الذي أحيطت حياته بكثير من القصص التي تشبه الخوارق لما فيها من كرامات ولطائف. وعلمت أنه لم يغادر الخنقة منذ ولادته، وأن أهل الخنقة هبوا جميعهم لتشييعه في يوم وداعه الأخير.
ما تزال المدرسة الناصرية التي خدمت العلم لمدة قربت من قرنين من الزمن تحتفظ بشكلها، وخاصة في جزئها الذي يضم مراقد الطلبة الأباعد الذين يقصدونها من الصحراء والأوراس وقسنطينة وعنابة. ويضم هذا الجزء إحدى عشرة غرفة متوسطة الأبعاد، وواقعة في الطابق العلوي، وتتسع كل غرفة لعدد قليل من الأفراد. وما يزال في الطابق السفلي المؤدي إلى المسجد الذي كانت تنتظم فيه حلق العلم حوضان صخريان يشبهان مزهريتين تهشمت حوافهما جزئيا كانا يستعملهما الطلبة في تنظيف ألواحهم بالماء والصلصال. وذكر لي المربي الشيخ فتح السعود بن حسين، وهو من المربين القدامى إلى أنه اضطر يوم أن عاد من تونس بعد أن أكمل مشواره الدراسي إلى جمع كوكبة المتعلمين الذين تطوّع لتدريسهم في الفترة الممتدة بين سنتي 1952 و1955 في زاوية من زوايا الطابق السفلي القريبة من المسجد. وبعد أن شُد الخناق على البلدة من طرف الاستعمار الفرنسي، واعتبرت منطقة محرمة اعتذر لتلاميذه بأسلوبه الودي اللطيف، وتوقف عن مزاولة رسالة التعليم التي عاد إليها بأنفاس متعطشة بعد استرجاع الاستقلال.
عانت خنقة سيدي ناجي من مضايقات الاستعمار الفرنسي منذ أن زحف على الصحراء وبسط يديه الملوثتين على الأوراس. وانقلب بها الدهر انقلابا سيئا، وبدأت مظاهر النشاط العلمي فيها تخبو من يوم إلى آخر. وتحت المحاصرة الشديدة، فقدت مدرستها الناصرية التي تخرج منها علماء أجلاء وقضاة شرعيون متفوقون سمعتها وصيتها، واندثرت مكتبها مصادرة وسرقة، وأسودت الأيام في وجهها. ولم يعد حالها، منذ ذلك العهد، يختلف عن أحوال نخلات واحة خنقة سيدي ناجي التي ذبلت وانحنت جذوعها نتيجة الإهمال. ووجدت المدرسة الناصرية نفسها تقف في وجة مدرسة ضرة عنيدة تتحدث بلغة دخيلة غير لغتها، وتنفذ برامج غريبة لا تمت لهوية وقيم الشعب الجزائري بصلة رافعة دعوى التبشير للمدنية ونشر التحضر، وهي المدرسة الفرنسية التي تأسست في سنة 1903م.
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
الإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
الثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك
» كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
الأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri
» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
الإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams
» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams
» بالمحبة والاقتداء ننصره.
الأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams
» Le Nom .مراجعة
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد