لقد تميّزت المنظومة التربوية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، في العديد من دول العالم، بالرهان على التربية المتّسمة بالجودة؛ حيث ركّز الاهتمام على تنمية إمكانات المتعلمين وقدراتهم الذهنية على أفضل وجه ممكن، بعد أن تأكد ما للثروة البشرية من أهمية في تطوير المجتمع وتقدمه؛ على اعتبار أنها أهم مورد تنموي على الإطلاق.
إن هذا الاهتمام الكبير بالعقل البشري وإمكاناته وأساليب نموّه وتطويره، يبرز لنا بدون شك، ملامح المنظومة التربوية المميزة لمستهل الألفية الثالثة؛ فهي منظومة تراهن على تفتيح عقول المتعلمين ورعايتها، لتكون في مستوى تطلعات مجتمعاتها، وتلعب دوراً فعّالاً في مجتمع ما بعد الصناعة، وذلك يتطلّب من الفرد أسلوباً عالياً من التكيّف المعرفي.
وسعياً لتحقيق ذلك، اتّجهت الجهود نحو التخطيط، لتطوير المناهج الدراسية وبنائها على أسس نتائج المعطيات العلمية للدراسات السيكولوجية المعاصرة، وبخاصة في ميدان علم النفس المعرفي.
وقد واكب البحث في تطوير المناهج الدراسية، تحليل ودراسة آليات التعلم، حيث اشتهرت نظريتان سيكولوجيتان اهتمتا بتفسير أسباب الاختلاف بين الطلاب في طرق التعلم، وهما: نظرية أسلوب التعلم "Learning - style theory"، ونظرية الذكاءات المتعددة. "Multiple intelligences theory"، وإذا كانت النظرية الأولى ترتبط جذورها بمجال التحليل النفسي، فإن النظرية الثانية تعد نتاج البحث في علوم الذهن Cognitivescience. وقد بذلت نظرية الذكاءات المتعددة جهداً كبيراً لإعادة النظر في قياس الذكاء الذي تجسده نظرية المعامل العقلي QI، كما اهتمت بمحاولة فهم الكيفية التي تتشكل بها الإمكانات الذهنية للإنسان والطرق التي تهتم بها سيرورات التعلم؛ في حين ركزت نظرية "أسلوب التعلم" على دراسة مضامين التعلم ذاته (Harcey Silcer, RichardStrong, and Matthew Perini 1977).
والواقع أن نظرية الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها ثورةً في مجال الممارسة التربوية والتعليمية، فهي غيّرت نظرة المدرسين عن طلابهم، وأضحت الأساليب الملائمة للتعامل معهم وفق قدراتهم الذهنية، كما شكّلت هذه النظرية تحدياً مكشوفاً للمفهوم التقليدي للذكاء، ذلك المفهوم الذي لم يكن يعترف سوى بشكل واحد من أشكال الذكاء الذي يظل ثابتاً لدى الفرد في مختلف مراحل حياته. فلقد رحبت نظرية الذكاءات بالاختلاف بين الناس في أنواع الذكاءات التي لديهم وفي أسلوب استخدامها، مما من شأنه إغناء المجتمع وتنويع ثقافته وحضارته Kathycheckley (1966)، عن طريق إفساح المجال لكل صنف منها بالظهور والتبلور في إنتاج يفيد تطور المجتمع وتقدمه.
لقد كانت الممارسة التربوية والتعليمية قبل ظهور هذه النظرية تستخدم أسلوباً واحداً في التعليم، لاعتقادها بوجود صنف واحد من الذكاء لدى كل المتعلمين، الشيء الذي يفوت في أغلبهم فرص التعلم الفعّال، وفق طريقتهم وأسلوبهم الخاص في التعلم. إن تعدد الذكاءات واختلافها لدى المتعلمين يقتضي اتباع مداخل تعليمية ـ تعلمية متنوعة، لتحقيق التواصل مع كل المتعلمين المتواجدين في الفصل الدراسي. كما أن النظام التربوي والتعليمي إلى وقت قريب كان يهمل العديد من القدرات والإمكانات للمتعلمين.
إن مقياس المعامل العقلي لا يأخذ بعين الاعتبار سوى بعض قدرات المتعلم، كالقدرة اللغوية والمنطقية والرياضية، في حين يهمل قدرات أخرى عديدة، على الرغم من قيمتها في المجتمع. إن النظام التربوي سيحقق الكثير لو اهتم بالقدرات الذهنية التي لا تأخذها مقاييس المعامل العقلي في الاعتبار، وهذا ما اهتمت به نظرية الذكاءات المتعددة التي نحاول من خلال هذا العرض التطرق لأهم جوانبها، مركّزين بوجه خاص على عوامل الجدة والأصالة في تعاملها مع المتعلمين، وفهم طبيعتهم وأساليب تعلمهم المختلفة، وكذلك دورها في تحسين المردودية التعليمية/ التعلمية.
1- نظرية الذكاءات المتعددة والممارسة الفعالة:
إن المشكلة التي يعاني منها التعلم المدرسي، في الجانب المتعلق بالتدريس وأساليبه، هو ما يلاحظ عليه من الابتعاد عن عالم المتعلمين؛ فالمواد التعليمية ـ التعلمية تقدم في أغلب الأحيان بطرق جافة ومملة، دون مراعاة بيئة المتعلمين وحاجاتهم، فضلاً عن أنها لا تعير اهتماماً لمداركهم وقدراتهم العقلية المختلفة، وما تقتضيه من تنوّع أساليب التدريس لمخاطبة كل فئة بما يناسب طريقتها في التعلم، الشيء الذي جعل أغلب المتعلمين يتعاملون مع المواد الدراسية دون تأثر أو انفعال وجداني، ما ولّد لدى بعضهم النفور والملل، وجعلهم يكوِّنون اتجاهات سلبية نحو المدرّسين والمدرسة بشكل عام، خاصة في وقت يتاح لهم فيه التعامل مع العديد من الوسائل التعليمية الحديثة والمتطورة، التي أنتجتها التكنولوجيا المعاصرة، كبرمجيات الحاسوب والإنترنت والتعليم المبرمج وغيرها، والتي تعمل على إشباع حاجاتهم المعرفية بطرق حية ومشوقة.
إن نظرية الذكاءات المتعددة مقاربة جديدة تقدم فضاءً جديداً وحيّاً لعملية التعليم والتعلّم، فهي فضاء تتمحور فيه العملية التعليمية ـ التعلمية على المتعلم ذاته، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته. ومن ثمة كان لها صدى كبير في الأوساط التربوية والتعليمية، لما حققته من تفعيل العملية التعليمية ـ التعلّمية ووضعها في مسارها الصحيح. ونعرض فيما يلي لأهمّ الجوانب التطويرية لهذه النظرية في مجال الممارسة التعليمية ـ التعلمية:
أ ـ إنها مقاربة تساعد على تحسين المردودية التعليمية ـ التعلمية.
ب ـ إنها مقاربة تساعد على الرفع من أداء المدرسين.
ج ـ إنها مقاربة تراعي طبيعة كل المتعلمين في الفصل الدراسي.
د ـ إنها مقاربة تنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعي ميولهم وقدراتهم.
هـ ـ إنها مقاربة تساعد على تنمية قدرات المتعلمين وتطويرها.
و ـ إنها مقاربة تنصف كل المتعلمين وتعتبر أن لكل واحد منهم قدرات معينة.
إن هذه المميزات التي تتميز بها نظرية الذكاءات المتعددة جعلتها تحدث ثورة في مجال الممارسة التربوية والتعليمية في أمريكا، عقب سنوات قليلة من ظهورها، لما أحدثته من تجديد وتغيير، ساعد على استثمار إمكانات المتعلمين وتنميتها وتفعيل العمل التربوي وجعله يواكب التطور العلمي الذي حققته السيكولوجيا المعرفية التي تتحرك هذه المقاربة في إطارها العلمي.
2- مفهوم نظرية الذكاءات المتعددة:
يقترح جاردنير Gardner (1983) مقاربة جديدة للذكاء، مختلفة عن المقاربة التقليدية (المعامل العقليQ.I)، وهي مقاربة مبنية على تصور جذري للذهن البشري، وتقود إلى مفهوم تطبيقي جديد ومختلف للممارسة التربوية والتعليمية في المدرسة.
إن الأمر يتعلق بتصور تعددي للذكاء، تصور يأخذ بعين الاعتبار مختلف أشكال نشاط الإنسان، وهو تصور يعترف باختلافاتنا الذهنية وبالأساليب المتناقضة الموجودة في سلوك الذهن البشري.
إن هذا النموذج الجديد للذكاء يستند على الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال علوم الذهن وعلم الأعصاب التي لم يعرفها عصر "بينه" Binet، وقد أطلقت على هذه المقاربة اسم "نظرية الذكاءات المتعددة" Intelligence multiples.
يقول جاردنر إن الوقت قد حان للتخلص من المفهوم الكلي للذكاء، ذلك المفهوم الذي يقيسه المعامل العقلي، والتفرغ للاهتمام بشكل طبيعي للكيفية التي تنمي بها الشعوب الكفاءات الضرورية لنمط عيشها، ولنأخذ على سبيل المثال أساليب عمل البحارة في وسط البحار، إنهم يهتدون إلي طريقهم من بين عدد كبير من الطرق، وذلك بفضل النجوم وبفضل حركات مراكبهم على الماء وبفضل بعض العلامات المشتتة. إن كلمة ذكاء بالنسبة إليهم تعني بدون شك براعة في الملاحة.
ولننظر كذلك إلى المهندسين والصيادين والقناصين والرسامين والرياضيين والمدربين ورؤساء القبائل والسحرة وغيرهم. إن كل الأدوار التي يقوم بها هؤلاء ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، إذا قلبنا تعريفاً جديداً للذكاء، باعتباره كفاءة أو قدرة لحل المشكلات أو إنتاج أشياء جديدة، ذات قيمة في ثقافةٍ ما أو مجتمع ما من المجتمعات، إن كل الكفاءات والقدرات التي يظهرها هؤلاء في حياتهم وعملهم تعتبر بدون شك شكلاً من أشكال الذكاء الذي لا يقتصر على المهارات اللغوية أو الرياضيات والمنطق، التي طالما مجدتها اختبارات المعامل العقلي، وعلى هذا الأساس، فإن نظرية الذكاءات المتعددة تقف موقفاً خاصاً من اختبارات الذكاء، التي طالما مجدت وقامت بإصدار أحكام بخصوص الطلاب ومستقبلهم الدراسي (أحمد أوزي،1999).
3 - نشأة نظرية الذكاءات المتعددة:
في عام 1979 طلبت مؤسسة "فان لير" Bernatd Van Leer من جامعة "هارفارد" Havard القيام بإنجاز بحث علمي يستهدف تقييم وضعية المعارف العلمية المهتمة بالإمكانات الذهنية للإنسان وإبراز مدى تحقيق هذه الإمكانات واستغلالها، وفي هذا الإطار بدأ فريق من العاملين المختصين بالجامعة أبحاثهم التي استغرقت عدة سنوات، قصد استطلاع وكشف مدى تحقيق هذه الإمكانات على أرض الواقع. ولقد تمّ بالفعل البحث في عدة مجالات معرفية، بتمويل من المؤسسة المذكورة. وهكذا تمّ البحث في مجال التاريخ الإنساني والفلسفي وعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. كما نظّم لهذا الغرض عدة لقاءات علمية على المستوى الدوري، تناولت قضايا تتعلق بمفهوم النمو في مختلف الثقافات البشرية.
أما الباحثون الذين ساهموا في هذه الدراسة الهامة، فإنهم ينتمون إلى تخصصات علمية متنوعة، فهناك أولاً رئيس فريق مشروع البحث، وهو "جيرالد ليسر" Gerald.S.Lesser، وهو مربٍ وعالم نفس، ثم هناك بالطبع "هاورد جاردنر". Gardner H، وهو أستاذ لعلم النفس التربوي مهتم بدراسة مواهب الأطفال وأسباب غيابها لدى الراشدين الذين حدثت لهم بعض الحوادث التي تسببت في إحداث تلف بالدماغ. وهناك أيضاً في البحث فيلسوف اشتغل في مجال فلسفة التربية وفلسفة العلوم، وهو "إسرائيل شيفلر" Israel Schefflr، ثم هناك "روبير لافين" Robert La Vine المختص في علم الانثروبولوجيا الاجتماعية والمعروف بأبحاثه في الصحراء الأفريقية والمكسيك حول الأسرة وطبيعية المساعدة المقدمة للأطفال فيها، ونجد ضمن الفريق العلمي كذلك العالمة الاجتماعية "ميري وايت" Merry White المختصة في التربية بالمجتمع الياباني ودراسة الأدوار التربوية للأفراد في العالم الثالث.
إن نظرة سريعة إلى الاختصاصات العلمية لأفراد هذا الفريق الذي تصدى لدراسة إمكانات الذهن البشري، تبين بوضوح اختلاف تخصصاتهم وتوسعها وعمقها، الشيء الذي يعكس طموح المشروع، وكذلك دور كل واحد منهم في إنجاح مشروع البحث والوصول إلى اكتشاف نظرية الذكاءات المتعددة.
4 ـ الأسس العلمية لنظرية الذكاءات المتعددة:
تعددت التساؤلات عن نظرية الذكاءات المتعددة وعن أسسها العلمية ومدى اختلاف ما تدعيه من تعدد الذكاءات مقارنةً بالآراء والأفكار التي سبقتها، والتي ذهب أصحابها إلى القول بوجود عدة ملكات أو قدرات عقلية أو فنية لدى الأفراد.. الخ، فما الذي يميز هذه النظرية الجديدة عن سابقتها؟
يرى جاردنر صاحب هذه النظرية أن ما يذهب إليه من وجود عدة ذكاءات يجد أسسه في ثقافة الشخص، وفي فيزيولوجيته العصبية. فالذكاءات الثمانية التي تقول بها نظريته لها سند علمي في الأسس البيو ـ ثقافية للفرد، والتي هي بمثابة معايير للاستدلال على وجودها. فليس يكفي انتشار ممارسات ثقافية لدى شخص ما، للتعبير عن وجود ذكاء معين لديه، وإنما لا بد من تحديدٍ موضعي للخلايا العصبية التي تشغلها تلك الممارسات في الدماغ، وهذا ما يميز نظريته عن الأفكار والآراء السابقة في الموضوع، والتي قالت بوجود ملكات أو قدرات متعددة، دون سند أو حجج علمية تجريبية.
إن نظرية الذكاءات المتعددة نتاج دراسات وأبحاث استغرقت حوالي ربع قرن من الزمن، تم خلالها تضافر جهود العديد من الباحثين ذوي اختصاصات متنوعة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ولقد تمّ خلال تلك المدة مساءلة عدة ميادين بحثية لم يتم التفكير فيها من قبل، ولقد تمخّضت تلك الدراسات وأنجبت نظرية الذكاءات المتعددة، تلك النظرية التي ساندتها أيضاً النتائج العلمية في علم الأعصاب وعلم المعرفة (الأبستمولوجيا) وأمدتها بسند يذهب إلى القول بتعدد الوظائف الذهنية وتنظيم الفكر بحسب وظائفه المختلفة (فودور 1983 Fodor، كيل 1984 Keil، فيلدمان Feldman، سيسي 1990 Ceci). وفيما يلي أهم الميادين التي شملها البحث في نظرية الذكاءات المتعددة والتي تشكل الدعامة العلمية لهذه النظرية:
1 ـ النمو الذهني للأطفال العاديين، حيث تمّ البحث في المعارف المتوفرة حول نمو مختلف الكفاءات الذهنية لدى الأطفال العاديين.
2 ـ دراسة الكيفية التي تعمل بها القدرات الذهنية خلال الإصابات الدماغية وحدوث تلف في بعضها، ما يؤدي إلى فقدان وظائف بعضها أو تلفه باستقلال عن غيرها.
3 ـ دراسة تطور الجهاز العصبي، عبر الملايين من السنين، للوصول إلى بعض الأشكال المتميزة للذكاء.
4 ـ دراسة الأطفال الموهوبين والأطفال الانطوائيين والأطفال الذين يظهرون صعوبات تعليمية، فهذه الفئات المتنوعة من الأطفال تقدم أشكالاً معينة من السلوك الذهني جد مختلف، ما يصعب معه فهمهم جميعاً في إطار المفهوم الموحد للذكاء.
5 ـ دراسة أنواع النشاط الذهني لدى مختلف أنواع الحيوانات.
6 ـ دراسة النشاط الذهني لدى مختلف الشعوب المتميزة بثقافات متنوعة.
من خلال جمع معطيات البحث في الميادين السابقة ومعالجة نتائجها، قاد الأمر جاردنر عام 1983 إلى القول بوجود سبعة ذكاءات متميزة، وذلك في كتابه: أطر الذهن: "Frames of mind"، وفيه يبين أنه ما من واحد من الناس إلا ولديه سبعة ذكاءات، وأن كل شكل من أشكال هذه الذكاءات يشغل حيزاً معيناً في دماغه. وقد سبق العالم الفرنسي "بروكا" Pierre - Paul Broce عام 1861 إلى تأكيد وجود علاقة بين وقوع خلل أو تلف في منطقة معينة من الدماغ وفساد وظيفة ذهنية محددة، فالتلف الذي يصيب الجزء العلوي من اليسار للقشرة الدماغية يؤدي إلى فقدان القدرة اللغوية. والمرضى الذين يصابون في النصف الأيسر من الدماغ قد يفقدون القدرة على الكلام، ولكنهم يظلون مع ذلك قادرين على غناء الأناشيد والأغاني، لأن نصف الدماغ الأيمن يظل سليماً لديهم، والمرضى المصابين في النصف الأيمن من الدماغ قد يستطيعون القراءة بطلاقة، ولكنهم يعجزون عن تفسير ما يقرأون.
ويبرز "جاردنر" سبب فشل المحاولات السابقة، الرامية إلى وجود ذكاءات مستقلة، أنه يعود إلى اعتمادها على خط واحد أو اثنين على الأكثر من الإثبات، كالاعتماد على ما تظهره المواد الدراسية من ملكات أو مجال الرياضة أو العلم.. الخ، أو الاعتماد على روائز المعامل العقلي، أما فيما يتعلق بنظريته، كما أشرنا من قبل، فقد دعمت ملفها بعدة حجج علمية، مستقاة من عدة مصادر بحثية، لم يسبق الربط بينهما من قبل.
5 ـ موقف نظرية الذكاءات المتعددة من اختيار "بينه" أو المعامل العقلي:
من الانتقادات الأساسية التي وجهتها نظرية الذكاءات المتعددة لمقياس المعامل العقلي أو نسبة الذكاء المحصل عليه باستخدام المعادلة المعروفة، العمر العقلي على العمر الزمني، وضرب الحاصل في مائة، أنه اختيار إذا افترضنا أنه يساعد على التنبؤ في المواد الدراسية، فإنه لا يستطيع أن يقول الشيء الكثير عن النجاح في الحياة بعد التخرج من المدرسة. وفي ذلك يقول جاردنر: "عندما تقيس ذكاء الناس بمقياس واحد فقط، فإنك في الحقيقة تغشهم فيما يتعلق بمقدرتهم على التعرف على الأشياء الأخرى (Gardner, 1983). إن طريقة اجتياز المعامل العقلي، مهما تعددت في أشكالها وأساليبها، فهي لا تختلف في جوهرها، إنها تتخذ أشكالاً مختلفة فقط بحسب سنّ المفحوص وحسب سياقه الثقافي، فقد يطلب مثلاً من الشخص المفحوص أن يملأ استبياناً أو إجراء مقابلة... الخ.
إن الانتقادات الموجّهة إلى طريقة المعامل العقلي، مجسدة في اختبار "بينه" والاختبارات الأخرى المنبثقة عنه، كاختبار ستانفورد ـ بينه، واختبارات كسلر وغيرها، هي التالية:
أ ـ إن الإجابات المختصرة التي يقدمها الشخص المفحوص عن طريق الاختبارات لا تكفي للحكم على ذكائه.
ب ـ إن المعامل العقلي مهما نجح في التنبؤ عن استعدادات التلميذ في استيعاب المواد الدراسية، فهو غير قادر على تقديم تصور متكامل عن مختلف استعداداته العقلية، وتحديد ذكائه الحقيقي.
ج ـ إن الكفاءة المهنية التي يتمتع بها بعض الناس، لا يمكن إرجاعها فحسب إلى مسألة الذكاء المجرد، بالمعنى التقليدي للذكاء، كما لا يمكن لمقاييس الذكاء المعروفة تقييم تلك الكفاءة.
يرى جاردنر : "أن عشرات السنين من البحث والتحليل، مكنته من الاقتناع بأن ذكاء الإنسان يغطي مجموعة من الكفاءات التي تتجاوز تلك التي تقوم اختبارات المعامل العقلي QI بقياسها عادة (Gardner, 1998).
إن فكرة وجود ذكاء واحد يقيسه المعامل العقلي، والقول بأن الفرد يولد بإمكانية محددة من الذكاء من الصعب تغييرها، قد قوبلت باعتراض من قِبَل بعض علماء النفس منذ العشرينات من القرن الماضي. كما اعترض على تقرير مستوى ذكاء الإنسان عن طريق المعامل العقلي، باستخدام اختبارات تعتمد على أجوبة مختصرة أو قياس بسيط، كتحديد زمن الاستجابة لسلسلة من الإضاءات. فهذه النظرية انتقدها العديد من الباحثين. فقد بين "ليبمان" Lippman على سبيل المثال، أن المعايير المستعملة لقياس الذكاء مشكوك في فعاليتها وقدرتها، وتابع علماء النفس دراساتهم، وأبرزوا بالتدريج بأن الذكاء عبارة عن مجموعة من القدرات. فقد بين "ثرستون" Thurstone في جامعة شيكاغو عام 1930 أن الذكاء يتجلى في ستة مظاهر جد مستقلة عن بعضها البعض. وبعد ذلك بمرور ثلاثين سنة تقريباً، قام "جيلفورد" Guilford بتعداد 120 شكلاً للذكاء، ثم مددها لتصبح 150 شكلاً. وقام "سترنبرغ" Sternberg في السنوات القليلة الماضية بجامعة "يلل"Yale باقتراح نظرية للذكاء مكوَّنة من ثلاثة مكونات: أحدها لها قدرة للحساب والثانية قدرة للاهتمام بالسياق والأخيرة قدرة للاستجابة للمواقف الجديدة.
ويرى جاردنر من وجهته، أن دراساته وأبحاثه حول الأطفال الموهوبين في مادة أو عدة مواد من الفنون التشكيلية، وكذلك الراشدين الذين تعرضوا لتلف في أدمغتهم، تكشف أنهم فقدوا بعض الملكات وظلوا محتفظين بأخرى، وهذه النتائج أكدت له أن فكرة الذكاء الواحد مشكوك في صحتها. وأنه ما من يومٍ جديد إلا ويؤكد له أن الأفراد يتمتعون بقدرات عديدة، ومستقلة عن بعضها البعض أحياناً.
6 ـ مفهوم الذكاء والذكاءات المتعددة:
يرى جاردنر أن هناك براهين مقنعة تثبت أن لدى الإنسان عدة كفاءات ذهنية مستقلة نسبياً يسميها بكيفية مختصرة: "الذكاءات الإنسانية". أما الطبيعة الدقيقة لكل كفاءة ذهنية منها وحجمها فليس بعد أمراً محدداً بدقة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بعدد الذكاءات الموجودة بالضبط، كما يرى أنه من الصعب أن نتجاهل وجود عدة ذكاءات مستقلة عن بعضها البعض نسبياً، وأن بوسع الفرد وكذا محيطه الثقافي أن يقوم بتشكيلها أو تكييفها جميعاً بطرق متعددة (Gardner 1997)، على أن مفهوم الذكاء لديه يختلف عن المفهوم التقليدي، فهو يعطيه معنى عاماً، إن الذكاء لديه هو القدرة على إيجاد منتوج لائق أو مفيد، أو أنه عبارة عن توفير خدمة قيّمة للثقافة التي يعيش فيها الفرد. كما يعتبر الذكاء مجموعة من المهارات التي تمكن الفرد من حلّ المشكلات التي تصادفه في الحياة. وبهذا التعريف نجد جاردنر يبعد الذكاء عن المجال التجريدي والمفاهيمي ليجعله طريقة فنية في العمل والسلوك اليومي، وهو بذلك يعطيه تعريفاً إجرائياً يجعل المربين أكثر تبصراً بأهدافهم وعملهم.
إن الذكاء وفق جاردنر عبارة عن إمكانية بيولوجية يجد له تعبيره فيما بعد كنتاج للتفاعل بين العوامل التكوينية والعوامل البيئية، ويختلف الناس في مقدار الذكاء الذي يولدون به، كما يختلفون في طبيعته، كما يختلفون في الكيفية التي ينمّون بها ذكاءهم. ذلك أن معظم الناس يسلكون وفق المزج بين أصناف الذكاء، لحل مختلف المشكلات التي تعترضهم في الحياة.
يظهر الذكاء بشكل عام لدى معظم الناس، بكيفية تشترك فيها كل الذكاءات الأخرى، وبعد الطفولة المبكرة لا يظهر الذكاء في شكله الخالص. ومعظم الأدوار التي ننجزها في ثقافتنا هي نتاج مزيج من الذكاءات في معظم الأحيان، فلكي تكون عازفاً موسيقياً بارعاً على الكمان، لا يكفي أن يكون لديك ذكاء موسيقى، وإنما تكون لديك لياقة بدنية أيضاً، والمهندس ينبغي أن يكون لديه بدرجات متفاوتة، كفاءات ذهنية؛ ذات طابع فضائي ورياضي ومنطقي وجسمي وعلائقي.
ولتمييز الذكاء عن القدرات العقلية الأخرى، فإن جاردنر يقدم لنا مجموعة من العلامات، أهمها:
أ ـ استقلال منطقة الذكاء في حالة وقوع تلف عصبي.
ب ـ وجود موهوبين وضعاف العقول وغيرهم من الأشخاص، ما يساعد على دراسة الذكاء بشكل منعزل.
ج ـ وجود مجموعة من العمليات أو الآليات الأساسية لعلاج المعلومات التي تسمح بتحليل ومناقشة مختلف أنواع المعطيات النوعية، وهذه الآليات العصبية هي ما نسميه ذكاءً، وهي مبرمجة فينا وتعمل بمجرد استثارتها بكيفية معينة (أصوات، حركات.. الخ).
د ـ وجود تاريخ نمائي لدى الفرد لهذه القدرة الذهنية.
هـ ـ وجود تطور تاريخي قديم لهذه القدرة العقلية.
و ـ ما يقدمه علم النفس التجريبـي من دعم، حيث أمكن إجراء دراسات حول الاستقلال النسبي للذكاء والذاكرة.
لا يكتفي جاردنر بتقديم علامات لتحديد الذكاء، وإنما يقوم كذلك بوضع بعض المعايير التي تميزه عن غيره، فالذكاء ليس مرادفاً للجهاز الحسي، كما أنه ليس من الضروري أن يعتمد بشكل مطلق عليه، كما أنه لا يمكن رفع الجهاز الحسي إلى مستوى الذكاء، ثم إن الذكاء يعبر عنه بأكثر من جهاز حسي.
7 ـ الذكاءات المتعددة الثمانية:
إن نظرية الذكاءات المتعددة تسمح للشخص باستكشاف مواقف الحياة المعيشية والنظر إليها وفهمها بوجهات نظر متعدّدة، فالشخص يمكنه أن يعيد النظر في موقف ما عن طريق معايشته بقدرات مختلفة، إن الكفاءات الذهنية للإنسان يمكن اعتبارها جملة من القدرات والمهارات العقلية التي يطلق عليها "ذكاءات".
ما من شخص سويّ إلا ويملك إلى حدٍّ ما أحد هذه الذّكاءات، ويختلف الأفراد فيما بينهم عن طريق الكيفية التي يوظف بها كل واحد منهم كفاءته لتحديد الطريق الملائم للوصول إلى الأهداف التي يتوخاها، وتقوم الأدوار الثقافية التي يضطلع بها الفرد في مجتمعه بإكسابه عدة ذكاءات، ومن الأهمية بمكان اعتبار كل فرد متوفراً على مجموعة من الاستعدادات وليس على قدرة واحدة يمكن قياسها عن طريق الروائز المعتادة، وهذه الذكاءات هي:
أ ـ الذكاء اللغوي: وهو القدرة على إنتاج وتأويل مجموعة من العلامات المساعدة على نقل معلومات لها دلالة. إن صاحب هذا الذكاء يبدي السهولة في إنتاج اللغة، والإحساس بالفرق بين الكلمات وترتيبها وإيقاعها.
إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يحبون القراءة والكتابة ورواية القصص، كما أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ والأشياء القليلة الأهمية.
يظهر الذكاء اللغوي لدى الكتاب والخطباء والشعراء والمعلمين، وذلك بحكم استعمالهم الدائم للغة، كما يظهر لدى كتاب الإدارة وأصحاب المهن الحرة والفكاهيين والممثلين.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: يغطي هذا الذكاء مجمل القدرات الذهنية، التي تتيح للشخص ملاحظة واستنباط ووضع العديد من الفروض الضرورية للسيرورة المتبعة لإيجاد الحلول للمشكلات، وكذا القدرة على التعرف على الرسوم البيانية والعلاقات التجريدية والتصرف فيها.
إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يتمتعون بموهبة حل المشاكل، ولهم قدرة عالية على التفكير، فهم يطرحون أسئلة بشكل منطقي ويمكنهم أن يتفوقوا في المنطق المرتبط بالعلوم وبحل المشاكل.
يمكن ملاحظة هذا الذكاء لدى العلماء والعاملين في البنوك والمهتمين بالرياضات ومبرمجي الإعلاميات والمحامين والمحاسبين.
ج ـ الذكاء التفاعلي: يفيد هذا الذكاء صاحبه على فهم الآخرين، وتحديد رغباتهم ومشاريعهم وحوافزهم ونواياهم والعمل معهم، كما أن لصاحبه القدرة على العمل بفاعلية مع الآخرين.
إن المتعلّمين الذين لهم هذا الذكاء يجدون ضالتهم في العمل الجماعي، ولهم القدرة على لعب دور الزعامة والتنظيم والتواصل والوساطة والمفاوضات.
يتجسّد هذا الذكاء لدى المدرسين والأطباء والتجار والمستشارين والسياسيين والزعماء الدينيين وأطر المقاولات.
د ـ الذكاء الذاتي: يتمحور حول تأمل الشخص لذاته، وفهمه لها، وحب العمل بمفرده، والقدرة على فهمه لانفعالاته وأهدافه ونواياه، إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء يتمتعون بإحساس قوي بالأنا، ولهم ثقة كبيرة بالنفس، ويحبذون العمل منفردين، ولهم إحساسات قوية بقدراتهم الذاتية ومهارتهم الشخصية، إن هذا الذكاء يبرز لدى الفلاسفة والأطباء النفسانيين والزعماء الدينيين والباحثين في الذكاء الإنساني.
يرى جاردنر أن هذا الذكاء تصعب ملاحظته، والوسيلة الوحيدة للتعرف عليه، ربما تكمن في ملاحظة المتعلمين، وتحليل عاداتهم في العمل، وإنتاجهم، ومن المهم كذلك أن نتجنب الحكم بصفة تلقائية على المتعلمين الذين يحبون العمل على انفراد، أو أولئك المنطوين على أنفسهم على أنهم يتمتعون بهذا الذكاء.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: يسمح هذا الذكاء لصاحبه باستعمال الجسم لحل المشكلات، والقيام ببعض الأعمال، والتعبير عن الأفكار والأحاسيس. إن التلاميذ الذين يتمتعون بهذه القدرة يتفوقون في الأنشطة البدنية، وفي التنسيق بين المرئي والحركي، وعندهم ميولٌ للحركة ولمس الأشياء. يتميز بهذه القدرة الجسمية الحركية الفائقة، الممثلون والرياضيون والجراحون والمقلدون والموسيقيون والراقصون والراقصات والمخترعون.
و ـ الذكاء الموسيقي: تسمح هذه القدرة الذهنية لصاحبها بالقيام بتشخيص دقيق للنغمات الموسيقية، وإدراك إيقاعها الزمني، والإحساس بالمقامات الموسيقية وجرس الأصوات وإيقاعها، وكذا الانفعال بالآثار العاطفية لهذه العناصر الموسيقية. نجد هذا الذكاء عند المتعلمين الذين يستطيعون تذكر الألحان والتعرف على المقامات والإيقاعات، وهذا النوع من المتعلمين يحبون الاستماع إلى الموسيقى، وعندهم إحساس كبير للأصوات المحيطة بهم. نجد هذا الذكاء لدى المغنين وكتّاب كلمات الأغاني أو الراقصين والملحنين وأساتذة الموسيقى.
ز ـ الذكاء البصري ـ الفضائي: إنه القدرة على خلق تمثلات مرئية للعالم في الفضاء وتكييفها ذهنياً وبطريقة ملموسة، كما يمكّن صاحبه من إدراك الاتجاه، والتعرف على الوجود أو الأماكن، وإبراز التفاصيل، وإدراك المجال وتكوين تمثل عنه.
إن المتعلمين الذين يتجلى لديهم هذا الذكاء محتاجون لصورة ذهنية أو صورة ملموسة لفهم المعلومات الجديدة، كما يحتاجون إلى معالجة الخرائط الجغرافية واللوحات والجداول وتعجبهم ألعاب المتاهات والمركبات. إن هؤلاء المتعلمين متفوقون في الرسم والتفكير فيه وابتكاره.
يوجد هذا الذكاء عند المختصين في فنون الخط وواضعي الخرائط والتصاميم والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين، ويمكن اعتبار "ميكيلانج" و"بيكاسو" نماذج من الشخصيات التي تجسد قمم هذا الذكاء.
ج ـ الذكاء الطبيعي: يتجلى في القدرة على تحديد وتصنيف الأشياء الطبيعية من نباتات وحيوانات.
إن الأطفال المتميزين بهذا الصنف من الذكاء تغريهم الكائنات الحية، ويحبون معرفة الشيء الكثير عنها، كما يحبون التواجد في الطبيعة وملاحظة مختلف كائناتها الحية.
يقول جاردنر: لقد قادتني تحليلاتي عام 1995 إلى اقتراح شكل ثامن من الذكاء، وهو الذكاء الطبيعي، ولعل "شارل داروين" Darwin.CH و"ليني" Linne و"جان روستاند" و"كوفيي" أفضل من يجسد هذا الصنف من الذكاء.
هل هناك ذكاء تاسع؟
يقول جاردنر: "يبدو لي اليوم أن هناك شكلاً تاسعاً من الذكاء يفرض نفسه، وهو الذكاء الوجودي، وهو يتضمن القدرة على التأمل في المشكلات الأساسية كالحياة والموت والأبدية، وسيلتحق هذا الذكاء بقائمة الذكاءات السابقة بمجرد ما يتأكد وجود الخلايا العصبية التي يتواجد بها (Gardner,1997) ويمكن اعتبار أرسطو وجان بول سارتر وكير كجارد نماذج ممن يجسد هذا الذكاء التاسع، إذا ثبت مكانه في الدماغ.
8 ـ مؤشرات لاكتشاف الذكاءات المتعدّدة لدى المتعلمين:
إن الممارسة التربوية والتعليمية، والاحتكاك اليومي للمدرسين بطلابهم، في مختلف المستويات التعليمية، يساعدهم على التعرف على أنواع الذكاءات التي لديهم، هذا فضلاً عما تقدمه مختلف أنواع القياس وجميع المعطيات المختلفة عنهم، من مصادر مختلفة، وبخاصة لدى أفراد الأسرة على توضيح ميولهم واهتماماتهم، وفيما يلي نعرض لبعض المؤشرات السلوكية المساعدة على التعرف على أنواع الذكاءات لدى المتعلمين، بقصد مساعدتهم على التعلم المثمر والفعّال.
أ ـ الذكاء اللغوي: من الممكن التعرف على الذكاء اللغوي لدى تلميذ ما من خلال المؤشرات التالية: القدرة على الحفظ بسرعة/ وحب التحدث/ والرغبة في سماع الأسطوانات/ والألعاب اللغوية/ وإظهار رصيد لغوي متنام/ والشغف بقراءات الملصقات وقصّ الحكايات.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: يمكن التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية:
إبداء الرغبة في معرفة العلاقات بين الأسباب والمسببات، والقيام بتصنيف مختلف الأشياء ووضعها في فئات، والقيام بالاستدلال والتجريب. الرغبة في اكتشاف الأخطاء فيما يحيط بهم من أشياء، وتتميز مطالعتهم بالإقبال على كتب العلوم، أكثر من غيرها.
ج ـ الذكاء التفاعلي: يمكن التعرف على هذا الذكاء لدى التلميذ من خلال المؤشرات التالية:
إنه حساس لمشاعر الغير، ويكوِّن أصدقاءه بسرعة، ويسرع إلى التدخل كلما شعر بوجود مواقف صراع أو سوء تفاهم، كما يميل إلى إنجاز الأنشطة في جماعة، فهو يستوعب بشكل أفضل إذا ذاكر دروسه مع زملائه، وهو يطلب مساعدة الغير، عوض أن يحل مشاكله بمفرده، كما يختار الألعاب التي يشارك فيها الغير. وهو غير ضنين على غيره، بما يعرفه أو يتعلمه، وهو يحس بالاطمئنان داخل جماعته، كما قد يظهر سلوكه صفات الزعيم.
د ـ الذكاء الذاتي: من مؤشرات التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين، المميزات التالية:
إنهم كثيراً ما يستغرقون في التأمل، ولديهم آراء محددة، تختلف في معظم الأحيان عن آراء الغير، ويبدون متأكدين مما يريدون من الحياة، ويعرفون نقاط القوة والضعف في شخصيتهم، ويفضلون الأنشطة الفردية، ولهم إرادة صلبة، ويحبون الاستقلال، ولهم مشاريع يسعون إلى تحقيقها.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: من مؤشرات التعرف على الذكاء الجسمي الحركي، ما يلي:
إن أصحابه قد مشوا في صغرهم مبكراً، فهم لم يحبوا طويلاً، إنهم ينجذبون نحو الرياضة والأنشطة الجسمية، إنهم لا يجلسون وقتاً طويلاً، فهم في نشاط مستمر، وهم يحبون الرقص والحركة الإبداعية، كما أنهم يحبون العمل باستخدام أيديهم في أنشطة مشخصة كالعجين والصباغة.. إلخ، ويحبون التواجد في الفضاء، ويحتاجون إلى الحركة حتى يفكروا، وكثيراً ما يستخدمون أيديهم وأرجلهم عندما يفكرون، كما يحتاجون إلى لمس الأشياء حتى يتعلموا، كما يفضلون خوض المغامرات الجسمية كتسلق الجبال والأشجار، ولديهم تآزر حركي جيد، ويصيبون الهدف في العديد من أفعالهم وحركاتهم، ويفضلون اختبار الأشياء وتجريبها عوض السماع عنها أو رؤيتها.
و ـ الذكاء الموسيقي: يمكن التعرف على الذكاء الموسيقي لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية: إنهم يغنون بشكل جيد، ويحفظون الأغاني بسرعة، ويحبون سماع الموسيقى والعزف على آلاتها، كما أن لهم حسّ الإيقاع وقد يحدثونه بأصابعهم وهم يعملون، ولهم القدرة على تقليد أصوات الحيوانات أو غيرها.
ز ـ الذكاء البصري الفضائي: يمكن التعرف على هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية: إنهم يستجيبون بسرعة للألوان، وكثيراً ما يندهشون للأشياء التي تثيرهم، وقد يصفون الأشياء بطرق تنمّ عن خيال، ويتميزون بأحلام حية، والقدرة على تصور للأشياء والتأليف بينها وإنشاء بنيات. وقد يقال إنهم "يبنون قصوراً من الرمال"، وهم من صنف المتعلمين الذين يحبون الرسم والصباغة، ولهم حس فائق في إدراك الجهات، ويجدون أنفسهم بسرعة في بيئتهم، ويدركون الأشكال بدقة، ويحبون الكتب التي تحتوي على عدة صور.
ح ـ الذكاء الطبيعي: يمكن التعرف على مؤشرات هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال المظاهر التالية: إنهم يهتمون بالنباتات والحيوانات، ويقومون برعايتها، كما يظهرون شغفاً بتتبع الحيوانات وتربيتها وتصنيفها في فئات، وهم يحبون التواجد باستمرار في الطبيعة، ويقارنون بين حياة مختلف الكائنات الحية، كما تستهويهم المطالعة في كتب الطبيعة.
9 ـ الذكاءات وأساليب المتعلمين في التعلم:
إن من بين الفوائد العلمية الهامة لنظرية الذكاءات المتعددة، في مجال الممارسة التعليمية، أنها شخّصت للممارسين التربويين الأساليب التعليمية ـ التعلمية، التي يتعلم بها كل متعلم، وذلك بحسب نوع الذكاء المهيمن عليه، وفيما يلي نعرض للأساليب الخاصة التي يتعلم بها كل طالب يتميز بصنف معين من الذكاء.
أ ـ الذكاء اللغوي: يتميز المتعلم الذي لديه هذا الصنف من الذكاء، بكفاءة السماع، فهو سريع الحفظ لما يسمعه، وما هو مطالب بحفظه، ولا يجد في ذلك أي صعوبة كما أنه يتعلم أكثر عن طريق التعبير بالكلام، وعن طريق السماع والمشاهدة للكلمات.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: للمتعلم الذي يتصف بهذا الصنف من الذكاء قدرة فكرية على التصورّ، وله أفكار جريئة، وهو كثير الأسئلة، ودائم التفكير، ويحبّ العمل بواسطة الأشكال والعلاقات والقيام بالتصنيف.
ج ـ الذكاء التفاعلي: إنه متعلم يستوعب أكثر عندما يذاكر مع غيره، وهو يتواصل مع الآخرين بسهولة، ويفهم الآخرين ويتعاون معهم.
د ـ الذكاء الذاتي: يتميز صاحب هذا الذكاء بشخصية قوية وإرادة لمشاعره، وثقة كبيرة في ذاته. وهو يتجنب الأنشطة الجماعية، إذ يفضِّل العمل بمفرده وإنجاز المشاريع حسب إيقاعه الخاص.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: يتميز بأن له مهارة جسمية ـ حركية، ويكتسب المعارف عن طريق الحركة، وهو يبرهن عن حركة دقيقة، ويفضل معالجة المعارف بواسطة الإحساس الجسدي.
و ـ الذكاء الموسيقي: إنه متعلم حسّاس تجاه إيقاعات اللغة والأصوات، وقادر على التعبير عن أفكاره بطريق جد محددة عن طريق الموسيقى، وهو يستجيب للموسيقى بطرق مختلفة.
ز ـ الذكاء الفضائي: إنه متعلم يميل إلى التفكير باستخدام الصور والألوان، ويدرك موضوع الأشياء وله ذاكرة بصرية.
ح ـ الذكاء الطبيعي: يحبُّ التعلم الحي وبخاصة الحقائق المستوحاة من الواقع الطبيعي.
وهكذا، ومن خلال ما تقدم، نرى أن نظرية الذكاءات المتعدِّدة عملت على إدخال هواءٍ جديد ومنعش على الصفوف الدراسية، وعلى الممارسة التعليمية بوجه خاص، وأمدّتها بنفس جديد في مطلع الألفية الثالثة، حيث أولت الاهتمام للمتعلم قبل الاهتمام بالمواد الدراسية، وأعطته الفاعلية المطلوبة والأساسية للتعلم، وقامت برعاية قدراته لتتبلور وتتفتح بشكل يحقق ذاته، كما أنها وطدت علاقة التواصل بين المعلم والمتعلم، وألغت الأحكام المسبقة على المتعلمين، ووصفهم بنعوت سلبية كلما لم يستجيبوا لإيقاعات تعليمية تعلمية معينة، كما أنها عملت على مراجعة مفاهيم الذكاء الكلاسيكية، ووضعت عوضه مفهوماً إجرامياً جديداً، يخدم المتعلم ويخدم ثقافته الاجتماعية.
إن المنظومة التربوية في عالمنا العربي، بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في أهدافها ومضامينها ووسائلها، لتكون هذه المنظومة أداة تطوير وتغيير بناء، لمواجهة تحديات الألفية الثالثة، عصر العولمة الشرسة، وعصر طريق السيار المعرفي، وعصر الشبكة المعرفية الدولية، ومن ثمة، فإن الاهتمام بغرس كل أصناف الذكاء الإنساني، وكل ما يرتبط بها من كفاءات وقدرات لدى المتعلمين، من خلال إعدادهم وتكوينهم، لهو أمر حيوي يفرض نفسه اليوم قبل أي وقت مضى، في خضمّ الصراعات الدولية القائمة بين الشعوب، من أجل تحقيق ذواتها، وفرض قيمتها ومكانتها في عالم جديد ومتطور، البقاء فيه للأصلح والأفيد.
ملخص البحث
يعرض البحث مقاربة الذكاءات المتعددة (M1)، باعتبارها نظرية سيكولوجية جديدة، في مجال علم النفس المعرفي،ـ يفيد توظيفها في مجال الممارسة التربوية والتعليمية لتجديد وتفعيل التعليم والتعلم، الذي عرفت طرقه ركوداً كبيراً في مدارسنا.
إن مقاربة الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها انقلاباً جذرياً في أساليب التدريس، فقد غيرت نظرة المدرسين إلى المتعلمين وإلى أساليب تعليمهم وتعلمهم، كما أنها مقاربة رفضت المفهوم الكلي للذكاء، وتقدمت بمفهوم علمي جديد، يبعده عن الطابع التجريدي، ويعتبر في الوقت ذاته كل الناس أذكياء، كلٌّ بحسب نوع قدراته وكفاءته وما ينتجه، للمساهمة في تطوير بيئته وتنمية إمكاناته الذاتية.
إن هذا الاهتمام الكبير بالعقل البشري وإمكاناته وأساليب نموّه وتطويره، يبرز لنا بدون شك، ملامح المنظومة التربوية المميزة لمستهل الألفية الثالثة؛ فهي منظومة تراهن على تفتيح عقول المتعلمين ورعايتها، لتكون في مستوى تطلعات مجتمعاتها، وتلعب دوراً فعّالاً في مجتمع ما بعد الصناعة، وذلك يتطلّب من الفرد أسلوباً عالياً من التكيّف المعرفي.
وسعياً لتحقيق ذلك، اتّجهت الجهود نحو التخطيط، لتطوير المناهج الدراسية وبنائها على أسس نتائج المعطيات العلمية للدراسات السيكولوجية المعاصرة، وبخاصة في ميدان علم النفس المعرفي.
وقد واكب البحث في تطوير المناهج الدراسية، تحليل ودراسة آليات التعلم، حيث اشتهرت نظريتان سيكولوجيتان اهتمتا بتفسير أسباب الاختلاف بين الطلاب في طرق التعلم، وهما: نظرية أسلوب التعلم "Learning - style theory"، ونظرية الذكاءات المتعددة. "Multiple intelligences theory"، وإذا كانت النظرية الأولى ترتبط جذورها بمجال التحليل النفسي، فإن النظرية الثانية تعد نتاج البحث في علوم الذهن Cognitivescience. وقد بذلت نظرية الذكاءات المتعددة جهداً كبيراً لإعادة النظر في قياس الذكاء الذي تجسده نظرية المعامل العقلي QI، كما اهتمت بمحاولة فهم الكيفية التي تتشكل بها الإمكانات الذهنية للإنسان والطرق التي تهتم بها سيرورات التعلم؛ في حين ركزت نظرية "أسلوب التعلم" على دراسة مضامين التعلم ذاته (Harcey Silcer, RichardStrong, and Matthew Perini 1977).
والواقع أن نظرية الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها ثورةً في مجال الممارسة التربوية والتعليمية، فهي غيّرت نظرة المدرسين عن طلابهم، وأضحت الأساليب الملائمة للتعامل معهم وفق قدراتهم الذهنية، كما شكّلت هذه النظرية تحدياً مكشوفاً للمفهوم التقليدي للذكاء، ذلك المفهوم الذي لم يكن يعترف سوى بشكل واحد من أشكال الذكاء الذي يظل ثابتاً لدى الفرد في مختلف مراحل حياته. فلقد رحبت نظرية الذكاءات بالاختلاف بين الناس في أنواع الذكاءات التي لديهم وفي أسلوب استخدامها، مما من شأنه إغناء المجتمع وتنويع ثقافته وحضارته Kathycheckley (1966)، عن طريق إفساح المجال لكل صنف منها بالظهور والتبلور في إنتاج يفيد تطور المجتمع وتقدمه.
لقد كانت الممارسة التربوية والتعليمية قبل ظهور هذه النظرية تستخدم أسلوباً واحداً في التعليم، لاعتقادها بوجود صنف واحد من الذكاء لدى كل المتعلمين، الشيء الذي يفوت في أغلبهم فرص التعلم الفعّال، وفق طريقتهم وأسلوبهم الخاص في التعلم. إن تعدد الذكاءات واختلافها لدى المتعلمين يقتضي اتباع مداخل تعليمية ـ تعلمية متنوعة، لتحقيق التواصل مع كل المتعلمين المتواجدين في الفصل الدراسي. كما أن النظام التربوي والتعليمي إلى وقت قريب كان يهمل العديد من القدرات والإمكانات للمتعلمين.
إن مقياس المعامل العقلي لا يأخذ بعين الاعتبار سوى بعض قدرات المتعلم، كالقدرة اللغوية والمنطقية والرياضية، في حين يهمل قدرات أخرى عديدة، على الرغم من قيمتها في المجتمع. إن النظام التربوي سيحقق الكثير لو اهتم بالقدرات الذهنية التي لا تأخذها مقاييس المعامل العقلي في الاعتبار، وهذا ما اهتمت به نظرية الذكاءات المتعددة التي نحاول من خلال هذا العرض التطرق لأهم جوانبها، مركّزين بوجه خاص على عوامل الجدة والأصالة في تعاملها مع المتعلمين، وفهم طبيعتهم وأساليب تعلمهم المختلفة، وكذلك دورها في تحسين المردودية التعليمية/ التعلمية.
1- نظرية الذكاءات المتعددة والممارسة الفعالة:
إن المشكلة التي يعاني منها التعلم المدرسي، في الجانب المتعلق بالتدريس وأساليبه، هو ما يلاحظ عليه من الابتعاد عن عالم المتعلمين؛ فالمواد التعليمية ـ التعلمية تقدم في أغلب الأحيان بطرق جافة ومملة، دون مراعاة بيئة المتعلمين وحاجاتهم، فضلاً عن أنها لا تعير اهتماماً لمداركهم وقدراتهم العقلية المختلفة، وما تقتضيه من تنوّع أساليب التدريس لمخاطبة كل فئة بما يناسب طريقتها في التعلم، الشيء الذي جعل أغلب المتعلمين يتعاملون مع المواد الدراسية دون تأثر أو انفعال وجداني، ما ولّد لدى بعضهم النفور والملل، وجعلهم يكوِّنون اتجاهات سلبية نحو المدرّسين والمدرسة بشكل عام، خاصة في وقت يتاح لهم فيه التعامل مع العديد من الوسائل التعليمية الحديثة والمتطورة، التي أنتجتها التكنولوجيا المعاصرة، كبرمجيات الحاسوب والإنترنت والتعليم المبرمج وغيرها، والتي تعمل على إشباع حاجاتهم المعرفية بطرق حية ومشوقة.
إن نظرية الذكاءات المتعددة مقاربة جديدة تقدم فضاءً جديداً وحيّاً لعملية التعليم والتعلّم، فهي فضاء تتمحور فيه العملية التعليمية ـ التعلمية على المتعلم ذاته، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته. ومن ثمة كان لها صدى كبير في الأوساط التربوية والتعليمية، لما حققته من تفعيل العملية التعليمية ـ التعلّمية ووضعها في مسارها الصحيح. ونعرض فيما يلي لأهمّ الجوانب التطويرية لهذه النظرية في مجال الممارسة التعليمية ـ التعلمية:
أ ـ إنها مقاربة تساعد على تحسين المردودية التعليمية ـ التعلمية.
ب ـ إنها مقاربة تساعد على الرفع من أداء المدرسين.
ج ـ إنها مقاربة تراعي طبيعة كل المتعلمين في الفصل الدراسي.
د ـ إنها مقاربة تنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعي ميولهم وقدراتهم.
هـ ـ إنها مقاربة تساعد على تنمية قدرات المتعلمين وتطويرها.
و ـ إنها مقاربة تنصف كل المتعلمين وتعتبر أن لكل واحد منهم قدرات معينة.
إن هذه المميزات التي تتميز بها نظرية الذكاءات المتعددة جعلتها تحدث ثورة في مجال الممارسة التربوية والتعليمية في أمريكا، عقب سنوات قليلة من ظهورها، لما أحدثته من تجديد وتغيير، ساعد على استثمار إمكانات المتعلمين وتنميتها وتفعيل العمل التربوي وجعله يواكب التطور العلمي الذي حققته السيكولوجيا المعرفية التي تتحرك هذه المقاربة في إطارها العلمي.
2- مفهوم نظرية الذكاءات المتعددة:
يقترح جاردنير Gardner (1983) مقاربة جديدة للذكاء، مختلفة عن المقاربة التقليدية (المعامل العقليQ.I)، وهي مقاربة مبنية على تصور جذري للذهن البشري، وتقود إلى مفهوم تطبيقي جديد ومختلف للممارسة التربوية والتعليمية في المدرسة.
إن الأمر يتعلق بتصور تعددي للذكاء، تصور يأخذ بعين الاعتبار مختلف أشكال نشاط الإنسان، وهو تصور يعترف باختلافاتنا الذهنية وبالأساليب المتناقضة الموجودة في سلوك الذهن البشري.
إن هذا النموذج الجديد للذكاء يستند على الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال علوم الذهن وعلم الأعصاب التي لم يعرفها عصر "بينه" Binet، وقد أطلقت على هذه المقاربة اسم "نظرية الذكاءات المتعددة" Intelligence multiples.
يقول جاردنر إن الوقت قد حان للتخلص من المفهوم الكلي للذكاء، ذلك المفهوم الذي يقيسه المعامل العقلي، والتفرغ للاهتمام بشكل طبيعي للكيفية التي تنمي بها الشعوب الكفاءات الضرورية لنمط عيشها، ولنأخذ على سبيل المثال أساليب عمل البحارة في وسط البحار، إنهم يهتدون إلي طريقهم من بين عدد كبير من الطرق، وذلك بفضل النجوم وبفضل حركات مراكبهم على الماء وبفضل بعض العلامات المشتتة. إن كلمة ذكاء بالنسبة إليهم تعني بدون شك براعة في الملاحة.
ولننظر كذلك إلى المهندسين والصيادين والقناصين والرسامين والرياضيين والمدربين ورؤساء القبائل والسحرة وغيرهم. إن كل الأدوار التي يقوم بها هؤلاء ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، إذا قلبنا تعريفاً جديداً للذكاء، باعتباره كفاءة أو قدرة لحل المشكلات أو إنتاج أشياء جديدة، ذات قيمة في ثقافةٍ ما أو مجتمع ما من المجتمعات، إن كل الكفاءات والقدرات التي يظهرها هؤلاء في حياتهم وعملهم تعتبر بدون شك شكلاً من أشكال الذكاء الذي لا يقتصر على المهارات اللغوية أو الرياضيات والمنطق، التي طالما مجدتها اختبارات المعامل العقلي، وعلى هذا الأساس، فإن نظرية الذكاءات المتعددة تقف موقفاً خاصاً من اختبارات الذكاء، التي طالما مجدت وقامت بإصدار أحكام بخصوص الطلاب ومستقبلهم الدراسي (أحمد أوزي،1999).
3 - نشأة نظرية الذكاءات المتعددة:
في عام 1979 طلبت مؤسسة "فان لير" Bernatd Van Leer من جامعة "هارفارد" Havard القيام بإنجاز بحث علمي يستهدف تقييم وضعية المعارف العلمية المهتمة بالإمكانات الذهنية للإنسان وإبراز مدى تحقيق هذه الإمكانات واستغلالها، وفي هذا الإطار بدأ فريق من العاملين المختصين بالجامعة أبحاثهم التي استغرقت عدة سنوات، قصد استطلاع وكشف مدى تحقيق هذه الإمكانات على أرض الواقع. ولقد تمّ بالفعل البحث في عدة مجالات معرفية، بتمويل من المؤسسة المذكورة. وهكذا تمّ البحث في مجال التاريخ الإنساني والفلسفي وعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. كما نظّم لهذا الغرض عدة لقاءات علمية على المستوى الدوري، تناولت قضايا تتعلق بمفهوم النمو في مختلف الثقافات البشرية.
أما الباحثون الذين ساهموا في هذه الدراسة الهامة، فإنهم ينتمون إلى تخصصات علمية متنوعة، فهناك أولاً رئيس فريق مشروع البحث، وهو "جيرالد ليسر" Gerald.S.Lesser، وهو مربٍ وعالم نفس، ثم هناك بالطبع "هاورد جاردنر". Gardner H، وهو أستاذ لعلم النفس التربوي مهتم بدراسة مواهب الأطفال وأسباب غيابها لدى الراشدين الذين حدثت لهم بعض الحوادث التي تسببت في إحداث تلف بالدماغ. وهناك أيضاً في البحث فيلسوف اشتغل في مجال فلسفة التربية وفلسفة العلوم، وهو "إسرائيل شيفلر" Israel Schefflr، ثم هناك "روبير لافين" Robert La Vine المختص في علم الانثروبولوجيا الاجتماعية والمعروف بأبحاثه في الصحراء الأفريقية والمكسيك حول الأسرة وطبيعية المساعدة المقدمة للأطفال فيها، ونجد ضمن الفريق العلمي كذلك العالمة الاجتماعية "ميري وايت" Merry White المختصة في التربية بالمجتمع الياباني ودراسة الأدوار التربوية للأفراد في العالم الثالث.
إن نظرة سريعة إلى الاختصاصات العلمية لأفراد هذا الفريق الذي تصدى لدراسة إمكانات الذهن البشري، تبين بوضوح اختلاف تخصصاتهم وتوسعها وعمقها، الشيء الذي يعكس طموح المشروع، وكذلك دور كل واحد منهم في إنجاح مشروع البحث والوصول إلى اكتشاف نظرية الذكاءات المتعددة.
4 ـ الأسس العلمية لنظرية الذكاءات المتعددة:
تعددت التساؤلات عن نظرية الذكاءات المتعددة وعن أسسها العلمية ومدى اختلاف ما تدعيه من تعدد الذكاءات مقارنةً بالآراء والأفكار التي سبقتها، والتي ذهب أصحابها إلى القول بوجود عدة ملكات أو قدرات عقلية أو فنية لدى الأفراد.. الخ، فما الذي يميز هذه النظرية الجديدة عن سابقتها؟
يرى جاردنر صاحب هذه النظرية أن ما يذهب إليه من وجود عدة ذكاءات يجد أسسه في ثقافة الشخص، وفي فيزيولوجيته العصبية. فالذكاءات الثمانية التي تقول بها نظريته لها سند علمي في الأسس البيو ـ ثقافية للفرد، والتي هي بمثابة معايير للاستدلال على وجودها. فليس يكفي انتشار ممارسات ثقافية لدى شخص ما، للتعبير عن وجود ذكاء معين لديه، وإنما لا بد من تحديدٍ موضعي للخلايا العصبية التي تشغلها تلك الممارسات في الدماغ، وهذا ما يميز نظريته عن الأفكار والآراء السابقة في الموضوع، والتي قالت بوجود ملكات أو قدرات متعددة، دون سند أو حجج علمية تجريبية.
إن نظرية الذكاءات المتعددة نتاج دراسات وأبحاث استغرقت حوالي ربع قرن من الزمن، تم خلالها تضافر جهود العديد من الباحثين ذوي اختصاصات متنوعة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ولقد تمّ خلال تلك المدة مساءلة عدة ميادين بحثية لم يتم التفكير فيها من قبل، ولقد تمخّضت تلك الدراسات وأنجبت نظرية الذكاءات المتعددة، تلك النظرية التي ساندتها أيضاً النتائج العلمية في علم الأعصاب وعلم المعرفة (الأبستمولوجيا) وأمدتها بسند يذهب إلى القول بتعدد الوظائف الذهنية وتنظيم الفكر بحسب وظائفه المختلفة (فودور 1983 Fodor، كيل 1984 Keil، فيلدمان Feldman، سيسي 1990 Ceci). وفيما يلي أهم الميادين التي شملها البحث في نظرية الذكاءات المتعددة والتي تشكل الدعامة العلمية لهذه النظرية:
1 ـ النمو الذهني للأطفال العاديين، حيث تمّ البحث في المعارف المتوفرة حول نمو مختلف الكفاءات الذهنية لدى الأطفال العاديين.
2 ـ دراسة الكيفية التي تعمل بها القدرات الذهنية خلال الإصابات الدماغية وحدوث تلف في بعضها، ما يؤدي إلى فقدان وظائف بعضها أو تلفه باستقلال عن غيرها.
3 ـ دراسة تطور الجهاز العصبي، عبر الملايين من السنين، للوصول إلى بعض الأشكال المتميزة للذكاء.
4 ـ دراسة الأطفال الموهوبين والأطفال الانطوائيين والأطفال الذين يظهرون صعوبات تعليمية، فهذه الفئات المتنوعة من الأطفال تقدم أشكالاً معينة من السلوك الذهني جد مختلف، ما يصعب معه فهمهم جميعاً في إطار المفهوم الموحد للذكاء.
5 ـ دراسة أنواع النشاط الذهني لدى مختلف أنواع الحيوانات.
6 ـ دراسة النشاط الذهني لدى مختلف الشعوب المتميزة بثقافات متنوعة.
من خلال جمع معطيات البحث في الميادين السابقة ومعالجة نتائجها، قاد الأمر جاردنر عام 1983 إلى القول بوجود سبعة ذكاءات متميزة، وذلك في كتابه: أطر الذهن: "Frames of mind"، وفيه يبين أنه ما من واحد من الناس إلا ولديه سبعة ذكاءات، وأن كل شكل من أشكال هذه الذكاءات يشغل حيزاً معيناً في دماغه. وقد سبق العالم الفرنسي "بروكا" Pierre - Paul Broce عام 1861 إلى تأكيد وجود علاقة بين وقوع خلل أو تلف في منطقة معينة من الدماغ وفساد وظيفة ذهنية محددة، فالتلف الذي يصيب الجزء العلوي من اليسار للقشرة الدماغية يؤدي إلى فقدان القدرة اللغوية. والمرضى الذين يصابون في النصف الأيسر من الدماغ قد يفقدون القدرة على الكلام، ولكنهم يظلون مع ذلك قادرين على غناء الأناشيد والأغاني، لأن نصف الدماغ الأيمن يظل سليماً لديهم، والمرضى المصابين في النصف الأيمن من الدماغ قد يستطيعون القراءة بطلاقة، ولكنهم يعجزون عن تفسير ما يقرأون.
ويبرز "جاردنر" سبب فشل المحاولات السابقة، الرامية إلى وجود ذكاءات مستقلة، أنه يعود إلى اعتمادها على خط واحد أو اثنين على الأكثر من الإثبات، كالاعتماد على ما تظهره المواد الدراسية من ملكات أو مجال الرياضة أو العلم.. الخ، أو الاعتماد على روائز المعامل العقلي، أما فيما يتعلق بنظريته، كما أشرنا من قبل، فقد دعمت ملفها بعدة حجج علمية، مستقاة من عدة مصادر بحثية، لم يسبق الربط بينهما من قبل.
5 ـ موقف نظرية الذكاءات المتعددة من اختيار "بينه" أو المعامل العقلي:
من الانتقادات الأساسية التي وجهتها نظرية الذكاءات المتعددة لمقياس المعامل العقلي أو نسبة الذكاء المحصل عليه باستخدام المعادلة المعروفة، العمر العقلي على العمر الزمني، وضرب الحاصل في مائة، أنه اختيار إذا افترضنا أنه يساعد على التنبؤ في المواد الدراسية، فإنه لا يستطيع أن يقول الشيء الكثير عن النجاح في الحياة بعد التخرج من المدرسة. وفي ذلك يقول جاردنر: "عندما تقيس ذكاء الناس بمقياس واحد فقط، فإنك في الحقيقة تغشهم فيما يتعلق بمقدرتهم على التعرف على الأشياء الأخرى (Gardner, 1983). إن طريقة اجتياز المعامل العقلي، مهما تعددت في أشكالها وأساليبها، فهي لا تختلف في جوهرها، إنها تتخذ أشكالاً مختلفة فقط بحسب سنّ المفحوص وحسب سياقه الثقافي، فقد يطلب مثلاً من الشخص المفحوص أن يملأ استبياناً أو إجراء مقابلة... الخ.
إن الانتقادات الموجّهة إلى طريقة المعامل العقلي، مجسدة في اختبار "بينه" والاختبارات الأخرى المنبثقة عنه، كاختبار ستانفورد ـ بينه، واختبارات كسلر وغيرها، هي التالية:
أ ـ إن الإجابات المختصرة التي يقدمها الشخص المفحوص عن طريق الاختبارات لا تكفي للحكم على ذكائه.
ب ـ إن المعامل العقلي مهما نجح في التنبؤ عن استعدادات التلميذ في استيعاب المواد الدراسية، فهو غير قادر على تقديم تصور متكامل عن مختلف استعداداته العقلية، وتحديد ذكائه الحقيقي.
ج ـ إن الكفاءة المهنية التي يتمتع بها بعض الناس، لا يمكن إرجاعها فحسب إلى مسألة الذكاء المجرد، بالمعنى التقليدي للذكاء، كما لا يمكن لمقاييس الذكاء المعروفة تقييم تلك الكفاءة.
يرى جاردنر : "أن عشرات السنين من البحث والتحليل، مكنته من الاقتناع بأن ذكاء الإنسان يغطي مجموعة من الكفاءات التي تتجاوز تلك التي تقوم اختبارات المعامل العقلي QI بقياسها عادة (Gardner, 1998).
إن فكرة وجود ذكاء واحد يقيسه المعامل العقلي، والقول بأن الفرد يولد بإمكانية محددة من الذكاء من الصعب تغييرها، قد قوبلت باعتراض من قِبَل بعض علماء النفس منذ العشرينات من القرن الماضي. كما اعترض على تقرير مستوى ذكاء الإنسان عن طريق المعامل العقلي، باستخدام اختبارات تعتمد على أجوبة مختصرة أو قياس بسيط، كتحديد زمن الاستجابة لسلسلة من الإضاءات. فهذه النظرية انتقدها العديد من الباحثين. فقد بين "ليبمان" Lippman على سبيل المثال، أن المعايير المستعملة لقياس الذكاء مشكوك في فعاليتها وقدرتها، وتابع علماء النفس دراساتهم، وأبرزوا بالتدريج بأن الذكاء عبارة عن مجموعة من القدرات. فقد بين "ثرستون" Thurstone في جامعة شيكاغو عام 1930 أن الذكاء يتجلى في ستة مظاهر جد مستقلة عن بعضها البعض. وبعد ذلك بمرور ثلاثين سنة تقريباً، قام "جيلفورد" Guilford بتعداد 120 شكلاً للذكاء، ثم مددها لتصبح 150 شكلاً. وقام "سترنبرغ" Sternberg في السنوات القليلة الماضية بجامعة "يلل"Yale باقتراح نظرية للذكاء مكوَّنة من ثلاثة مكونات: أحدها لها قدرة للحساب والثانية قدرة للاهتمام بالسياق والأخيرة قدرة للاستجابة للمواقف الجديدة.
ويرى جاردنر من وجهته، أن دراساته وأبحاثه حول الأطفال الموهوبين في مادة أو عدة مواد من الفنون التشكيلية، وكذلك الراشدين الذين تعرضوا لتلف في أدمغتهم، تكشف أنهم فقدوا بعض الملكات وظلوا محتفظين بأخرى، وهذه النتائج أكدت له أن فكرة الذكاء الواحد مشكوك في صحتها. وأنه ما من يومٍ جديد إلا ويؤكد له أن الأفراد يتمتعون بقدرات عديدة، ومستقلة عن بعضها البعض أحياناً.
6 ـ مفهوم الذكاء والذكاءات المتعددة:
يرى جاردنر أن هناك براهين مقنعة تثبت أن لدى الإنسان عدة كفاءات ذهنية مستقلة نسبياً يسميها بكيفية مختصرة: "الذكاءات الإنسانية". أما الطبيعة الدقيقة لكل كفاءة ذهنية منها وحجمها فليس بعد أمراً محدداً بدقة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بعدد الذكاءات الموجودة بالضبط، كما يرى أنه من الصعب أن نتجاهل وجود عدة ذكاءات مستقلة عن بعضها البعض نسبياً، وأن بوسع الفرد وكذا محيطه الثقافي أن يقوم بتشكيلها أو تكييفها جميعاً بطرق متعددة (Gardner 1997)، على أن مفهوم الذكاء لديه يختلف عن المفهوم التقليدي، فهو يعطيه معنى عاماً، إن الذكاء لديه هو القدرة على إيجاد منتوج لائق أو مفيد، أو أنه عبارة عن توفير خدمة قيّمة للثقافة التي يعيش فيها الفرد. كما يعتبر الذكاء مجموعة من المهارات التي تمكن الفرد من حلّ المشكلات التي تصادفه في الحياة. وبهذا التعريف نجد جاردنر يبعد الذكاء عن المجال التجريدي والمفاهيمي ليجعله طريقة فنية في العمل والسلوك اليومي، وهو بذلك يعطيه تعريفاً إجرائياً يجعل المربين أكثر تبصراً بأهدافهم وعملهم.
إن الذكاء وفق جاردنر عبارة عن إمكانية بيولوجية يجد له تعبيره فيما بعد كنتاج للتفاعل بين العوامل التكوينية والعوامل البيئية، ويختلف الناس في مقدار الذكاء الذي يولدون به، كما يختلفون في طبيعته، كما يختلفون في الكيفية التي ينمّون بها ذكاءهم. ذلك أن معظم الناس يسلكون وفق المزج بين أصناف الذكاء، لحل مختلف المشكلات التي تعترضهم في الحياة.
يظهر الذكاء بشكل عام لدى معظم الناس، بكيفية تشترك فيها كل الذكاءات الأخرى، وبعد الطفولة المبكرة لا يظهر الذكاء في شكله الخالص. ومعظم الأدوار التي ننجزها في ثقافتنا هي نتاج مزيج من الذكاءات في معظم الأحيان، فلكي تكون عازفاً موسيقياً بارعاً على الكمان، لا يكفي أن يكون لديك ذكاء موسيقى، وإنما تكون لديك لياقة بدنية أيضاً، والمهندس ينبغي أن يكون لديه بدرجات متفاوتة، كفاءات ذهنية؛ ذات طابع فضائي ورياضي ومنطقي وجسمي وعلائقي.
ولتمييز الذكاء عن القدرات العقلية الأخرى، فإن جاردنر يقدم لنا مجموعة من العلامات، أهمها:
أ ـ استقلال منطقة الذكاء في حالة وقوع تلف عصبي.
ب ـ وجود موهوبين وضعاف العقول وغيرهم من الأشخاص، ما يساعد على دراسة الذكاء بشكل منعزل.
ج ـ وجود مجموعة من العمليات أو الآليات الأساسية لعلاج المعلومات التي تسمح بتحليل ومناقشة مختلف أنواع المعطيات النوعية، وهذه الآليات العصبية هي ما نسميه ذكاءً، وهي مبرمجة فينا وتعمل بمجرد استثارتها بكيفية معينة (أصوات، حركات.. الخ).
د ـ وجود تاريخ نمائي لدى الفرد لهذه القدرة الذهنية.
هـ ـ وجود تطور تاريخي قديم لهذه القدرة العقلية.
و ـ ما يقدمه علم النفس التجريبـي من دعم، حيث أمكن إجراء دراسات حول الاستقلال النسبي للذكاء والذاكرة.
لا يكتفي جاردنر بتقديم علامات لتحديد الذكاء، وإنما يقوم كذلك بوضع بعض المعايير التي تميزه عن غيره، فالذكاء ليس مرادفاً للجهاز الحسي، كما أنه ليس من الضروري أن يعتمد بشكل مطلق عليه، كما أنه لا يمكن رفع الجهاز الحسي إلى مستوى الذكاء، ثم إن الذكاء يعبر عنه بأكثر من جهاز حسي.
7 ـ الذكاءات المتعددة الثمانية:
إن نظرية الذكاءات المتعددة تسمح للشخص باستكشاف مواقف الحياة المعيشية والنظر إليها وفهمها بوجهات نظر متعدّدة، فالشخص يمكنه أن يعيد النظر في موقف ما عن طريق معايشته بقدرات مختلفة، إن الكفاءات الذهنية للإنسان يمكن اعتبارها جملة من القدرات والمهارات العقلية التي يطلق عليها "ذكاءات".
ما من شخص سويّ إلا ويملك إلى حدٍّ ما أحد هذه الذّكاءات، ويختلف الأفراد فيما بينهم عن طريق الكيفية التي يوظف بها كل واحد منهم كفاءته لتحديد الطريق الملائم للوصول إلى الأهداف التي يتوخاها، وتقوم الأدوار الثقافية التي يضطلع بها الفرد في مجتمعه بإكسابه عدة ذكاءات، ومن الأهمية بمكان اعتبار كل فرد متوفراً على مجموعة من الاستعدادات وليس على قدرة واحدة يمكن قياسها عن طريق الروائز المعتادة، وهذه الذكاءات هي:
أ ـ الذكاء اللغوي: وهو القدرة على إنتاج وتأويل مجموعة من العلامات المساعدة على نقل معلومات لها دلالة. إن صاحب هذا الذكاء يبدي السهولة في إنتاج اللغة، والإحساس بالفرق بين الكلمات وترتيبها وإيقاعها.
إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يحبون القراءة والكتابة ورواية القصص، كما أن لهم قدرة كبيرة على تذكر الأسماء والأماكن والتواريخ والأشياء القليلة الأهمية.
يظهر الذكاء اللغوي لدى الكتاب والخطباء والشعراء والمعلمين، وذلك بحكم استعمالهم الدائم للغة، كما يظهر لدى كتاب الإدارة وأصحاب المهن الحرة والفكاهيين والممثلين.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: يغطي هذا الذكاء مجمل القدرات الذهنية، التي تتيح للشخص ملاحظة واستنباط ووضع العديد من الفروض الضرورية للسيرورة المتبعة لإيجاد الحلول للمشكلات، وكذا القدرة على التعرف على الرسوم البيانية والعلاقات التجريدية والتصرف فيها.
إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء، يتمتعون بموهبة حل المشاكل، ولهم قدرة عالية على التفكير، فهم يطرحون أسئلة بشكل منطقي ويمكنهم أن يتفوقوا في المنطق المرتبط بالعلوم وبحل المشاكل.
يمكن ملاحظة هذا الذكاء لدى العلماء والعاملين في البنوك والمهتمين بالرياضات ومبرمجي الإعلاميات والمحامين والمحاسبين.
ج ـ الذكاء التفاعلي: يفيد هذا الذكاء صاحبه على فهم الآخرين، وتحديد رغباتهم ومشاريعهم وحوافزهم ونواياهم والعمل معهم، كما أن لصاحبه القدرة على العمل بفاعلية مع الآخرين.
إن المتعلّمين الذين لهم هذا الذكاء يجدون ضالتهم في العمل الجماعي، ولهم القدرة على لعب دور الزعامة والتنظيم والتواصل والوساطة والمفاوضات.
يتجسّد هذا الذكاء لدى المدرسين والأطباء والتجار والمستشارين والسياسيين والزعماء الدينيين وأطر المقاولات.
د ـ الذكاء الذاتي: يتمحور حول تأمل الشخص لذاته، وفهمه لها، وحب العمل بمفرده، والقدرة على فهمه لانفعالاته وأهدافه ونواياه، إن المتعلمين الذين يتفوقون في هذا الذكاء يتمتعون بإحساس قوي بالأنا، ولهم ثقة كبيرة بالنفس، ويحبذون العمل منفردين، ولهم إحساسات قوية بقدراتهم الذاتية ومهارتهم الشخصية، إن هذا الذكاء يبرز لدى الفلاسفة والأطباء النفسانيين والزعماء الدينيين والباحثين في الذكاء الإنساني.
يرى جاردنر أن هذا الذكاء تصعب ملاحظته، والوسيلة الوحيدة للتعرف عليه، ربما تكمن في ملاحظة المتعلمين، وتحليل عاداتهم في العمل، وإنتاجهم، ومن المهم كذلك أن نتجنب الحكم بصفة تلقائية على المتعلمين الذين يحبون العمل على انفراد، أو أولئك المنطوين على أنفسهم على أنهم يتمتعون بهذا الذكاء.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: يسمح هذا الذكاء لصاحبه باستعمال الجسم لحل المشكلات، والقيام ببعض الأعمال، والتعبير عن الأفكار والأحاسيس. إن التلاميذ الذين يتمتعون بهذه القدرة يتفوقون في الأنشطة البدنية، وفي التنسيق بين المرئي والحركي، وعندهم ميولٌ للحركة ولمس الأشياء. يتميز بهذه القدرة الجسمية الحركية الفائقة، الممثلون والرياضيون والجراحون والمقلدون والموسيقيون والراقصون والراقصات والمخترعون.
و ـ الذكاء الموسيقي: تسمح هذه القدرة الذهنية لصاحبها بالقيام بتشخيص دقيق للنغمات الموسيقية، وإدراك إيقاعها الزمني، والإحساس بالمقامات الموسيقية وجرس الأصوات وإيقاعها، وكذا الانفعال بالآثار العاطفية لهذه العناصر الموسيقية. نجد هذا الذكاء عند المتعلمين الذين يستطيعون تذكر الألحان والتعرف على المقامات والإيقاعات، وهذا النوع من المتعلمين يحبون الاستماع إلى الموسيقى، وعندهم إحساس كبير للأصوات المحيطة بهم. نجد هذا الذكاء لدى المغنين وكتّاب كلمات الأغاني أو الراقصين والملحنين وأساتذة الموسيقى.
ز ـ الذكاء البصري ـ الفضائي: إنه القدرة على خلق تمثلات مرئية للعالم في الفضاء وتكييفها ذهنياً وبطريقة ملموسة، كما يمكّن صاحبه من إدراك الاتجاه، والتعرف على الوجود أو الأماكن، وإبراز التفاصيل، وإدراك المجال وتكوين تمثل عنه.
إن المتعلمين الذين يتجلى لديهم هذا الذكاء محتاجون لصورة ذهنية أو صورة ملموسة لفهم المعلومات الجديدة، كما يحتاجون إلى معالجة الخرائط الجغرافية واللوحات والجداول وتعجبهم ألعاب المتاهات والمركبات. إن هؤلاء المتعلمين متفوقون في الرسم والتفكير فيه وابتكاره.
يوجد هذا الذكاء عند المختصين في فنون الخط وواضعي الخرائط والتصاميم والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين، ويمكن اعتبار "ميكيلانج" و"بيكاسو" نماذج من الشخصيات التي تجسد قمم هذا الذكاء.
ج ـ الذكاء الطبيعي: يتجلى في القدرة على تحديد وتصنيف الأشياء الطبيعية من نباتات وحيوانات.
إن الأطفال المتميزين بهذا الصنف من الذكاء تغريهم الكائنات الحية، ويحبون معرفة الشيء الكثير عنها، كما يحبون التواجد في الطبيعة وملاحظة مختلف كائناتها الحية.
يقول جاردنر: لقد قادتني تحليلاتي عام 1995 إلى اقتراح شكل ثامن من الذكاء، وهو الذكاء الطبيعي، ولعل "شارل داروين" Darwin.CH و"ليني" Linne و"جان روستاند" و"كوفيي" أفضل من يجسد هذا الصنف من الذكاء.
هل هناك ذكاء تاسع؟
يقول جاردنر: "يبدو لي اليوم أن هناك شكلاً تاسعاً من الذكاء يفرض نفسه، وهو الذكاء الوجودي، وهو يتضمن القدرة على التأمل في المشكلات الأساسية كالحياة والموت والأبدية، وسيلتحق هذا الذكاء بقائمة الذكاءات السابقة بمجرد ما يتأكد وجود الخلايا العصبية التي يتواجد بها (Gardner,1997) ويمكن اعتبار أرسطو وجان بول سارتر وكير كجارد نماذج ممن يجسد هذا الذكاء التاسع، إذا ثبت مكانه في الدماغ.
8 ـ مؤشرات لاكتشاف الذكاءات المتعدّدة لدى المتعلمين:
إن الممارسة التربوية والتعليمية، والاحتكاك اليومي للمدرسين بطلابهم، في مختلف المستويات التعليمية، يساعدهم على التعرف على أنواع الذكاءات التي لديهم، هذا فضلاً عما تقدمه مختلف أنواع القياس وجميع المعطيات المختلفة عنهم، من مصادر مختلفة، وبخاصة لدى أفراد الأسرة على توضيح ميولهم واهتماماتهم، وفيما يلي نعرض لبعض المؤشرات السلوكية المساعدة على التعرف على أنواع الذكاءات لدى المتعلمين، بقصد مساعدتهم على التعلم المثمر والفعّال.
أ ـ الذكاء اللغوي: من الممكن التعرف على الذكاء اللغوي لدى تلميذ ما من خلال المؤشرات التالية: القدرة على الحفظ بسرعة/ وحب التحدث/ والرغبة في سماع الأسطوانات/ والألعاب اللغوية/ وإظهار رصيد لغوي متنام/ والشغف بقراءات الملصقات وقصّ الحكايات.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: يمكن التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية:
إبداء الرغبة في معرفة العلاقات بين الأسباب والمسببات، والقيام بتصنيف مختلف الأشياء ووضعها في فئات، والقيام بالاستدلال والتجريب. الرغبة في اكتشاف الأخطاء فيما يحيط بهم من أشياء، وتتميز مطالعتهم بالإقبال على كتب العلوم، أكثر من غيرها.
ج ـ الذكاء التفاعلي: يمكن التعرف على هذا الذكاء لدى التلميذ من خلال المؤشرات التالية:
إنه حساس لمشاعر الغير، ويكوِّن أصدقاءه بسرعة، ويسرع إلى التدخل كلما شعر بوجود مواقف صراع أو سوء تفاهم، كما يميل إلى إنجاز الأنشطة في جماعة، فهو يستوعب بشكل أفضل إذا ذاكر دروسه مع زملائه، وهو يطلب مساعدة الغير، عوض أن يحل مشاكله بمفرده، كما يختار الألعاب التي يشارك فيها الغير. وهو غير ضنين على غيره، بما يعرفه أو يتعلمه، وهو يحس بالاطمئنان داخل جماعته، كما قد يظهر سلوكه صفات الزعيم.
د ـ الذكاء الذاتي: من مؤشرات التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين، المميزات التالية:
إنهم كثيراً ما يستغرقون في التأمل، ولديهم آراء محددة، تختلف في معظم الأحيان عن آراء الغير، ويبدون متأكدين مما يريدون من الحياة، ويعرفون نقاط القوة والضعف في شخصيتهم، ويفضلون الأنشطة الفردية، ولهم إرادة صلبة، ويحبون الاستقلال، ولهم مشاريع يسعون إلى تحقيقها.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: من مؤشرات التعرف على الذكاء الجسمي الحركي، ما يلي:
إن أصحابه قد مشوا في صغرهم مبكراً، فهم لم يحبوا طويلاً، إنهم ينجذبون نحو الرياضة والأنشطة الجسمية، إنهم لا يجلسون وقتاً طويلاً، فهم في نشاط مستمر، وهم يحبون الرقص والحركة الإبداعية، كما أنهم يحبون العمل باستخدام أيديهم في أنشطة مشخصة كالعجين والصباغة.. إلخ، ويحبون التواجد في الفضاء، ويحتاجون إلى الحركة حتى يفكروا، وكثيراً ما يستخدمون أيديهم وأرجلهم عندما يفكرون، كما يحتاجون إلى لمس الأشياء حتى يتعلموا، كما يفضلون خوض المغامرات الجسمية كتسلق الجبال والأشجار، ولديهم تآزر حركي جيد، ويصيبون الهدف في العديد من أفعالهم وحركاتهم، ويفضلون اختبار الأشياء وتجريبها عوض السماع عنها أو رؤيتها.
و ـ الذكاء الموسيقي: يمكن التعرف على الذكاء الموسيقي لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية: إنهم يغنون بشكل جيد، ويحفظون الأغاني بسرعة، ويحبون سماع الموسيقى والعزف على آلاتها، كما أن لهم حسّ الإيقاع وقد يحدثونه بأصابعهم وهم يعملون، ولهم القدرة على تقليد أصوات الحيوانات أو غيرها.
ز ـ الذكاء البصري الفضائي: يمكن التعرف على هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال المؤشرات التالية: إنهم يستجيبون بسرعة للألوان، وكثيراً ما يندهشون للأشياء التي تثيرهم، وقد يصفون الأشياء بطرق تنمّ عن خيال، ويتميزون بأحلام حية، والقدرة على تصور للأشياء والتأليف بينها وإنشاء بنيات. وقد يقال إنهم "يبنون قصوراً من الرمال"، وهم من صنف المتعلمين الذين يحبون الرسم والصباغة، ولهم حس فائق في إدراك الجهات، ويجدون أنفسهم بسرعة في بيئتهم، ويدركون الأشكال بدقة، ويحبون الكتب التي تحتوي على عدة صور.
ح ـ الذكاء الطبيعي: يمكن التعرف على مؤشرات هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال المظاهر التالية: إنهم يهتمون بالنباتات والحيوانات، ويقومون برعايتها، كما يظهرون شغفاً بتتبع الحيوانات وتربيتها وتصنيفها في فئات، وهم يحبون التواجد باستمرار في الطبيعة، ويقارنون بين حياة مختلف الكائنات الحية، كما تستهويهم المطالعة في كتب الطبيعة.
9 ـ الذكاءات وأساليب المتعلمين في التعلم:
إن من بين الفوائد العلمية الهامة لنظرية الذكاءات المتعددة، في مجال الممارسة التعليمية، أنها شخّصت للممارسين التربويين الأساليب التعليمية ـ التعلمية، التي يتعلم بها كل متعلم، وذلك بحسب نوع الذكاء المهيمن عليه، وفيما يلي نعرض للأساليب الخاصة التي يتعلم بها كل طالب يتميز بصنف معين من الذكاء.
أ ـ الذكاء اللغوي: يتميز المتعلم الذي لديه هذا الصنف من الذكاء، بكفاءة السماع، فهو سريع الحفظ لما يسمعه، وما هو مطالب بحفظه، ولا يجد في ذلك أي صعوبة كما أنه يتعلم أكثر عن طريق التعبير بالكلام، وعن طريق السماع والمشاهدة للكلمات.
ب ـ الذكاء المنطقي ـ الرياضي: للمتعلم الذي يتصف بهذا الصنف من الذكاء قدرة فكرية على التصورّ، وله أفكار جريئة، وهو كثير الأسئلة، ودائم التفكير، ويحبّ العمل بواسطة الأشكال والعلاقات والقيام بالتصنيف.
ج ـ الذكاء التفاعلي: إنه متعلم يستوعب أكثر عندما يذاكر مع غيره، وهو يتواصل مع الآخرين بسهولة، ويفهم الآخرين ويتعاون معهم.
د ـ الذكاء الذاتي: يتميز صاحب هذا الذكاء بشخصية قوية وإرادة لمشاعره، وثقة كبيرة في ذاته. وهو يتجنب الأنشطة الجماعية، إذ يفضِّل العمل بمفرده وإنجاز المشاريع حسب إيقاعه الخاص.
هـ ـ الذكاء الجسمي ـ الحركي: يتميز بأن له مهارة جسمية ـ حركية، ويكتسب المعارف عن طريق الحركة، وهو يبرهن عن حركة دقيقة، ويفضل معالجة المعارف بواسطة الإحساس الجسدي.
و ـ الذكاء الموسيقي: إنه متعلم حسّاس تجاه إيقاعات اللغة والأصوات، وقادر على التعبير عن أفكاره بطريق جد محددة عن طريق الموسيقى، وهو يستجيب للموسيقى بطرق مختلفة.
ز ـ الذكاء الفضائي: إنه متعلم يميل إلى التفكير باستخدام الصور والألوان، ويدرك موضوع الأشياء وله ذاكرة بصرية.
ح ـ الذكاء الطبيعي: يحبُّ التعلم الحي وبخاصة الحقائق المستوحاة من الواقع الطبيعي.
وهكذا، ومن خلال ما تقدم، نرى أن نظرية الذكاءات المتعدِّدة عملت على إدخال هواءٍ جديد ومنعش على الصفوف الدراسية، وعلى الممارسة التعليمية بوجه خاص، وأمدّتها بنفس جديد في مطلع الألفية الثالثة، حيث أولت الاهتمام للمتعلم قبل الاهتمام بالمواد الدراسية، وأعطته الفاعلية المطلوبة والأساسية للتعلم، وقامت برعاية قدراته لتتبلور وتتفتح بشكل يحقق ذاته، كما أنها وطدت علاقة التواصل بين المعلم والمتعلم، وألغت الأحكام المسبقة على المتعلمين، ووصفهم بنعوت سلبية كلما لم يستجيبوا لإيقاعات تعليمية تعلمية معينة، كما أنها عملت على مراجعة مفاهيم الذكاء الكلاسيكية، ووضعت عوضه مفهوماً إجرامياً جديداً، يخدم المتعلم ويخدم ثقافته الاجتماعية.
إن المنظومة التربوية في عالمنا العربي، بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في أهدافها ومضامينها ووسائلها، لتكون هذه المنظومة أداة تطوير وتغيير بناء، لمواجهة تحديات الألفية الثالثة، عصر العولمة الشرسة، وعصر طريق السيار المعرفي، وعصر الشبكة المعرفية الدولية، ومن ثمة، فإن الاهتمام بغرس كل أصناف الذكاء الإنساني، وكل ما يرتبط بها من كفاءات وقدرات لدى المتعلمين، من خلال إعدادهم وتكوينهم، لهو أمر حيوي يفرض نفسه اليوم قبل أي وقت مضى، في خضمّ الصراعات الدولية القائمة بين الشعوب، من أجل تحقيق ذواتها، وفرض قيمتها ومكانتها في عالم جديد ومتطور، البقاء فيه للأصلح والأفيد.
ملخص البحث
يعرض البحث مقاربة الذكاءات المتعددة (M1)، باعتبارها نظرية سيكولوجية جديدة، في مجال علم النفس المعرفي،ـ يفيد توظيفها في مجال الممارسة التربوية والتعليمية لتجديد وتفعيل التعليم والتعلم، الذي عرفت طرقه ركوداً كبيراً في مدارسنا.
إن مقاربة الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها انقلاباً جذرياً في أساليب التدريس، فقد غيرت نظرة المدرسين إلى المتعلمين وإلى أساليب تعليمهم وتعلمهم، كما أنها مقاربة رفضت المفهوم الكلي للذكاء، وتقدمت بمفهوم علمي جديد، يبعده عن الطابع التجريدي، ويعتبر في الوقت ذاته كل الناس أذكياء، كلٌّ بحسب نوع قدراته وكفاءته وما ينتجه، للمساهمة في تطوير بيئته وتنمية إمكاناته الذاتية.
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
الإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
الثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك
» كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
الأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri
» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
الإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams
» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams
» بالمحبة والاقتداء ننصره.
الأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams
» Le Nom .مراجعة
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد