دينامية النمو العقلي من منظور الإبستيمولوجيا التكوينية
أولى بياجي عناية كبيرة للنمو العقلي والمعرفي عند الطفل، بالاستناد إلى العلاقات المنطقية والرياضية والنظرية والمعرفية. وأكد وجود تغيرات نوعية على مستوى المفاهيم التي يحملها الطفل، في مراحل نموه المختلفة. لقد كان هذا الاهتمام الكبير وراء تأسيس مركز عالمي للأبستمولوجيا التكوينية EPISTEMOLOGIE GENETIQUE عام 1957 في مدينة جنيف. لقد اعتمد "بياجي" في صياغة مشروعه على معطيات علمية بيولوجية، ومعطيات منطقية-رياضية. كما أنه بلور نظريته من خلال الملاءمة والتوفيق بين مدارس نفسية من مرجعيات متعددة؛ تتمثل خاصة في السلوكية، والغشتالتية، والتحليل النفسي. كما يمكن الإشارة إلى صلته بالمدرسة الاجتماعية الفرنسية وتأثره الواضح بتعاليمها.
- لقد كانت الانشغالات الأساسية ل "جون بياجي" تتركز حول "تكون" La genèse المفاهيم. من هذا المنظور، لا يمكن النظر إلى أي مفهوم، مهما كان بسيطا، باعتباره معطى جاهزا، بل لابد من النظر إليه باعتباره سيرورة، خضعت لتحولات متوالية، لتصل إلى الصورة التي يوجد عليها في الحالة الراهنة؛ الانتقال من المعرفة كحالة La connaissance –état إلى المعرفة كسيرورةLa connaissance- processus. من هذا المنظور لن يكون هناك اهتمام بالمعرفة في صورتها المطلقة، ولكن الاهتمام ينصب عليها كسيرورة.
المفهوم -من المنظور السيكولوجي- هو ما وقع عليه الفهم و الإدراك. وعليه فالمفهوم من الكلام هو المعنى الذي يفهم منه، ويدرك، و يعقل. وهذا موضوع أساس ضمن مباحث علم النفس المعرفي، الذي اهتم بتحليل كيفية تحقق الإدراك عند الكائن البشري. لقد تناول الباحثون -في هذا الإطار- سيرورة تشكل المفهوم عند الطفل، في علاقتها بمراحل النمو. لعل أهم من تناول هذا الموضوع هو "جون بياجي" Jean Piaget، ضمن نظرية الإبستيمولوجية التكوينية. سنقدم من خلال ما يلي أهم الأطروحات التي قدمها في الموضوع:
يتمثل المبدإ العام الذي استبد "جون بياجي" باكتشافه في عدم الاكتفاء بالبنيات المتطورة التي تظهر عند الراشد، والبحث -بالتراجع إلى الوراء- للوصول إلى جذور تلك البنيات.
إن الإبستمولوجيا من منظور "بياجي" لا تُعنى بالأسئلة التقليدية المرتبطة بالتساؤل عن ماهية المعرفة، وطبيعتها، وشروطها، وإمكانها، بقدر ما تتساءل عن كيفية نمو النظريات والمفاهيم والأفكار في حقل معرفي معين. لقد كانت نظرية المعرفة تناقش المعرفة من منطلق الماهية؛ أي باعتبارها معطى ثابتا ونهائيا؛ لذلك فقد تركزت أسئلتها حول ماهية المعرفة وإمكانها. أما الإبستمولوجيا –من منظور بياجي- فإنها تطرح مشروعا يتجاوز هذه الانشغالات التقليدية التي تأخذ المعرفة كواقع جاهز، لتتركز على المعرفة باعتبارها سيرورة.
إن نمط الأسئلة التي كانت حاضرة ضمن نظرية المعرفة كانت من قبيل: ما هي المعرفة؟ وكيف تكون المعرفة ممكنة؟ وما هي حدود المعرفة؟. إن هذا النمط من الأسئلة يبقي الإبستمولوجيا في دائرة الانشغالات الفلسفية. في حين أن ما يميز الإبستمولوجيا هو توجهها العلمي. لذلك فإن نمط الأسئلة التي تطرحه، هو من قبيل: كيف تنمو المعارف؟ ما هي الميكانيزمات التي تحكم سيروراتها وتحولاتها؟
يهمنا الحديث عن "بياجي"، ونحن نتحدث عن "انتقال المفاهيم"، من زاويتين:
أولاهما لها علاقة بتكون ونمو المفاهيم عند الطفل. ذلك أن "بياجي" ينظر إلى النمو كعملية ذاتية مستمرة، من خلال عملية التفاعل المتواصل بين الفرد ومحيطه الخارجي. وليس النمو مجموعة أفعال مقررة سلفا، ومثبتة في عضوية الطفل، في شكل برنامج يجمع الخبرات والمعارف. إذ ليس هناك بالنسبة لعلم النفس التكويني، بداية مطلقة لمفهوم من المفاهيم، نستطيع أن نعود إليها لنقول هنا يبدأ تشكل المفهوم. يطرح علم النفس التكويني مسألة دراسة نشأة وتطور البنيات المنطقية في ارتباطها بالنمو العقلي والعلاقات الاجتماعية للطفل من مرحلة الطفولة الأولى، إلى سن المراهقة من جهة.
أما ثانيهما فله علاقة بتكون المعارف، وما تخضع له من سيرورات. من هذا المنظور، لا يمكن النظر إلى أي مفهوم، مهما كان بسيطا، باعتباره معطى جاهزا، بل لابد من النظر إليه باعتباره سيرورة، خضعت لتحولات متوالية، لتصل إلى الصورة التي يوجد عليها في الحالة الراهنة.
إن الحديث عن النمو العقلي -عند بياجي- يثير مسألة تطور المفاهيم عند الطفل. وذلك من خلال تتبع وتحديد الكيفية التي تنمو من خلالها مفاهيم المكان والزمان والسرعة...إلخ. فإذا أخذنا مفهوم "المكان" -مثلا- يكتشف "بياجي" أن هذا المفهوم يخضع لتطورات متلاحقة. فالطفل لا يميز -في البداية- بين ذاته وبين الموضوع الخارجي؛ فهو يعيش نوعا من "التمركز حول الذات"؛ بحيث تصبح هذه الذات مركزا لا واعيا لعالمه الخاص. فهو غير قادر على وضع فاصل بين ذاته، وبين الموضوع الخارجي. إنه يخلط بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي، بين الحلم وبين الحقيقة، بين شعوره وبين الواقع. فهو يدرك دوافعه الشخصية كأشياء، ويحول رغباته الداخلية إلى علاقات سببية للظواهر الخارجية، ويفكر لنفسه، ويتصور أن ما يراه، يدور حوله بأمره، ويوجد من أجله.
يتحدد مسار النمو العقلي للطفل في علاقته بالمؤثرات التي يتفاعل معها، سواء أكانت هذه المؤثرات خارجية؛ ذات طبيعة حسية-حركية، أم كانت داخلية، متمثلة في عمليات التفكير. تتجسد هذه التغيرات، في نظر "بياجي" في نشوء البنيات Structures ، والخطط Schèmas. يقصد بالخطاطات الطريقة أوالأسلوب الذي يتبعه الطفل في التعامل مع الأشياء، والتصدي لمشكلات وموضوعات العالم الخارجي. سواء كان ذلك بصورة تلقائية، أم بصورة موجهة. لذلك يميز "بياجي" بين نوعين من الخطط. في النوع الأول يستجيب الطفل بصورة عفوية وتلقائية لما يدور حوله، أما في النوع الثاني فتكون الاستجابة غائية ومقصودة. تتكون هذه الخطط بصورة تدريجية؛ فالخطط الجديدة تندمج في الخطط القديمة، مؤلفة خططا ذات قابيلة أكثر لمواجهة المواقف المستجدة، التي يفرزها الواقع الخارجي. لذلك فإن الخطط الجديدة تتشكل في علاقتها بالخطط القديمة، وتندمج فيها، مؤلفة خططا أكثر تطورا وقدرة على مواجهة المواقف المستجدة التي يعززها الواقع الخارجي. وقد أشار "بياجي" إلى وجود "خطط قاعدية" تتشكل من المنعكسات الفطرية، أوالحركات الأولية التي يقوم بها الطفل عبر نشاطه الحسي- الحركي، من خلال تفاعله مع الأشياء والأشخاص. كما يمتلك الطفل، في كل مرحلة من مراحل نموه "بنيات"، أي مجموعة من العمليات المترابطة والمنتظمة، ذات مستويات متفاوتة، وتكون مسؤولة عن تحديد وتوصيف مراحل النمو.
يقوم علم النفس التكويني من منظور "بياجي" على فرضية أساسية، مفادها أن ذكاء الأطفال يتطور باستمرار، ويتأثر بالنضج الجسمي، في تفاعل مع البيئة التي يعيش فيها الطفل. وقد وضع "بياجي" اختبارات تقيس مرحلة النمو التي يصل إليها الطفل. إن هذه الاختبارات هي لمراقبة الأطفال، وتحديد المرحلة التي وصلوا إليها لمعرفة النمو الذهني لديهم. ولاشك في أن لهذا الأمر أهميته في تصميم المناهج، وأساليب التعليم، المناسبة للطفل في كل مرحلة.
ينظر "بياجي" إلى نمو المفاهيم عند الطفل في ارتباطه بعمليات النضج العضوي من جهة، وفي علاقته بعمليات التفاعل المستمر بينه وبين المحيط الخارجي من جهة أخرى. ولوصف هذه العمليات المعقدة يعمد "بياجي" إلى توظيف بعض المفاهيم البيولوجية، التي يلائمها مع علم النفس. نشير من خلال ما يلي إلى هذه المفاهيم بالطريقة التالية:
- "التمثل" : هو العملية التي يقوم بها الطفل في الواقع العملي؛ فهو يعمل على توحيد عناصر البيئة مع البناء المعرفي الذي يمتلكه. حيث يإخذ الحوادث الخارجية الخارجية من جهة، كما يستلهم ما يملكه من بنيات وخطط من جهة أخرى، بصورة تفضي إلى إدماج بعض عناصر هذا الوسط في تلك البنيات والخطط. لذلك يمكن القول إن مفهوم "التمثل" يحيل على عملية تكييف وملاءمة المثيرات الخارجية مع البناء العقلي الخاص.
- "المواءمة": يتعلق الأمر هنا بالتغيرات التي تطرأ على البنيات والخطط الذهنية التي يمتلكها الطفل؛ مما يجعله قادرا على التكيف مع المواقف الجديدة. لذلك يمكن اعتبار هذه العملية إجراء لاحق لعملية التكيف التي ذكرناها سابقا: إذا كان الفرد –في عملية التمثل- يحاول التغيير من المعطيات الخارجية حتى تكون مناسبة لبنيته العقلية، فإنه في مرحلة "المواءمة" يغير من نفسه حتى يتناسب مع الوضع الخارجي. لذلك ينظر بياجي إلى "التمثل"، و"المواءمة" باعتبارهما عمليتان متكاملتان؛ إذ تكون كل عملية سببا في ظهور الأخرى، ونتيجة لها في الوقت نفسه، ومن خلالهما يستطيع الطفل تحقيق التكيف المتواصل مع المحيط الخارجي..
"التكيف": يمثل التكيف اتجاها فطريا لدى الطفل؛ من خلال محاولة تحقيق التوازن بين عمليتي "التمثل" و"المواءمة"، وذلك عبر مطابقة الموضوعات والأشياء الخارجية مع السلوك المناسب. إن الطفل الذي يتعرض لإثارة جديدة يسلك أحد المسلكين: فهو إما أن "يتمثلها"؛ وذلك حين يحد أن هذه الخبرة تتوافق مع نظام فهمه للعالم، وإما أن "يتلاءم" مع هذه الخبرة ؛ من خلال إعادة تركيب نماذجه الإدراكية الخاصة، وذلك حين يجد ضعوبة في التمثل المباشر للوضعية الجديدة.
"التنظيم": تنشط هذه العملية بصورة فطرية لدى الطفل؛ وتعمل على ضمان الانتظام والاتساق في الأبنية العقلية الداخلية. فإذا كان "التكيف" يحيل على مسألة العلاقة بين الفرد والمحيط الخارجي، فإن "التنظيم" يحيل على الانسجام والتوازن المطلوب بين الصور الإجمالية الجديدة والقديمة. لذلك فإن هذه العملية تساعد على بقاء البنيات العقلية في حالة من الانتظام والانسجام على امتداد مراحل النمو وتعاقبها.
"التوازن": يتدخل هذا المبدأ المهم في مختلف مراحل النمو العقلي. يتمثل هذا المبدأ في عامل التوازن بين نشاط الفرد على البيئة وبين نشاط الفرد عليه، وذلك حتى يتم التكيف. إن أي مفهوم جديد لابد أن يتوازن مع سابقه؛ من خلال عمليات الاندماج، والتكيف التي تساهم في التماسك بين القديم والجديد.
من هذا المنطلق سيميز "بياجي" بين أربع مراحل أساسية لنمو المفاهيم عند الطفل:
أولا: مرحلة الإحساس والحركة. تمتد هذه الفترة من الميلاد إلى السنة الثانية من عمر الطفل تقريبا، يتمكن الطفل من تنظيم أنشطته الجسمية والعقلية في سلسلة من الأفعال. كما يتعلم التنسيق بين الإحساس والحركات، ويتعلم الربط بين الرمز والمرموز له في الكلمة.
ثانيا: مرحلة ما قبل العمليات. تمتد من السنة الثانية إلى السنة السابعة من عمر الطفل. يمكن اعتبار هذه الفترة امتدادا للمرحلة الأولى وبنية أساسية للمرحلة الثالثة. تمتد من سنتين إلى السنة السابعة من عمر الطفل تقريبا. يبدأ الطفل –في هذه المرحلة- تعلم اللغة؛ يظهر ذلك في شكل كلمات، ثم عبارات. إذ في حدود العام الرابع تصبح اللغة أداة فعالة في تنمية المفاهيم لديه، بعد أن يسيطر عليها سمعا وكلاما. لذلك فإن اكتساب اللغة يشكل أهم تطور عند الطفل في هذه المرحلة .
تبقى السمة الأساسية لتفاعل الطفل مع العالم الخارجي، إلى حدود هذه المرحلة هو "التمركز على الذات". لذلك تكشف هذه المرحلة عند الطفل عن غلبة الفهم الذاتي على الفهم الموضوعي، الذي هو سمة النشاط الغالب على الإنسان الراشد. هكذا يفتقر الطفل في هذه المرحلة إلى التفسير الذي يمكنه من الوقوف عند العلاقات السببية بين الحوادث الخارجية، وكذا تعليل الظواهر والتغيرات التي تطرأ على الوقائع. كما يبدو الطفل كأنه يمتلك قدرة سحرية تمكنه من التأثير في الأشياء الخارجية بحركاته وأقواله؛ من ثم يميل إلى إضفاء صفاته الشخصية على الأشياء المادية التي يتعامل معها؛ بحيث يقع نوع من الاختلاط بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي. لذلك فإن الشمس والقمر والأشجار...وغيرها من عناصر الطبيعة تتحرك كما يتحرك. كما أن هذه العناصر الطبيعية تبصر وتسمع وتبكي لأنها تملك العين والسمع والفم. أيضا ينظر الطفل إلى العناصر الطبيعية المحيطة به على أنها من صنع قوى قدرات خارقة.
ثالثا: مرحلة العمليات الملموسة.
تمتد من السنة السابعة إلى السنة الثانية عشر من عمر الطفل. يتطور في هذه المرحلة تفكير الطفل من الحدسية إلى القيام بعمليات منطقية حسية، كما يظهر لديه تراجع ملحوظ في التمركز حول الذات. هكذا يصبح الطفل قادرا على التفكير المنطقي، أيضا يصبح قادرا على تصنيف الأشياء إلة فئات جزئية. وإذا كان الطفل يجد صعوبة في فهم التجريدات اللفظية، فإن قدرته على القيام ببعض العمليات الرياضية والمنطقية تزداد. كما ينخرط في العلاقات الاجتماعية، وتبادل المعلومات ووجهات النظر.
ويتصور بياجي أنه مع نموه تنحسر خاصية التمركز حول الذات، لتفسح المجال أمام تكون التصورات الموضوعية لديه وظهور الفهم المنطقي لما يحيط به من أشياء، وما يجري حوله من حوادث. وبفضل هذه التشكيلات الجديدة يصبح قادرا على تحديد الظواهر والأفعال عن طريق ربطها بأسبابها وإدراك العلاقات المتبادلة القائمة بينها.
رابعا: مرحلة العمليات المجردة. سميت بهذا الإسم، لأن الطفل-الذي صار شابا الآن- أصبح بإمكانه القيام ببعض العمليات العقلية دون أن يستخدم مجسمات لها.تمتد من السنة الثانية عشر إلى السنة الخامسة عشر. يرى بياجي أن تفكير الطفل يصل -في هذه المرحلة- إلى قمته في هذه المرحلة، بحيث يصبح ممتلكا القدرة على التعامل مع المفاهيم العقلية المعقدة. هكذا يقوم بتوظيف الفرضيات، والاستنتاجات، والملاحظات. وإذا كان النمو العقلي للطفل قد وصل إلى ذروته في هذه المرحلة، فإن التغيرات التي تحصل في ما بعد ستكون كمية لا نوعية.
هناك عوامل متعددة تؤثر في نمو المفاهيم عند الطفل، تتمثل في النضج السيكولوجي في المخ والجهاز العصبي، والخبرة الجسمية، المتمثلة في تفاعل كل شخص مع الأشياء في بيئته، والخبرات الاجتماعية، المتمثلة في التفاعل مع الأشخاص مع الآخرين. هناك أيضا عمليات التوازن المستمرة التي تخضع لها المعطيات، بواسطتها التركيب العقلي، وذلك من خلال عمليتي الاستيعاب والتسكين.
مقال للكاتب محمد مريني ( منقول للفائدة العامة )
أولى بياجي عناية كبيرة للنمو العقلي والمعرفي عند الطفل، بالاستناد إلى العلاقات المنطقية والرياضية والنظرية والمعرفية. وأكد وجود تغيرات نوعية على مستوى المفاهيم التي يحملها الطفل، في مراحل نموه المختلفة. لقد كان هذا الاهتمام الكبير وراء تأسيس مركز عالمي للأبستمولوجيا التكوينية EPISTEMOLOGIE GENETIQUE عام 1957 في مدينة جنيف. لقد اعتمد "بياجي" في صياغة مشروعه على معطيات علمية بيولوجية، ومعطيات منطقية-رياضية. كما أنه بلور نظريته من خلال الملاءمة والتوفيق بين مدارس نفسية من مرجعيات متعددة؛ تتمثل خاصة في السلوكية، والغشتالتية، والتحليل النفسي. كما يمكن الإشارة إلى صلته بالمدرسة الاجتماعية الفرنسية وتأثره الواضح بتعاليمها.
- لقد كانت الانشغالات الأساسية ل "جون بياجي" تتركز حول "تكون" La genèse المفاهيم. من هذا المنظور، لا يمكن النظر إلى أي مفهوم، مهما كان بسيطا، باعتباره معطى جاهزا، بل لابد من النظر إليه باعتباره سيرورة، خضعت لتحولات متوالية، لتصل إلى الصورة التي يوجد عليها في الحالة الراهنة؛ الانتقال من المعرفة كحالة La connaissance –état إلى المعرفة كسيرورةLa connaissance- processus. من هذا المنظور لن يكون هناك اهتمام بالمعرفة في صورتها المطلقة، ولكن الاهتمام ينصب عليها كسيرورة.
المفهوم -من المنظور السيكولوجي- هو ما وقع عليه الفهم و الإدراك. وعليه فالمفهوم من الكلام هو المعنى الذي يفهم منه، ويدرك، و يعقل. وهذا موضوع أساس ضمن مباحث علم النفس المعرفي، الذي اهتم بتحليل كيفية تحقق الإدراك عند الكائن البشري. لقد تناول الباحثون -في هذا الإطار- سيرورة تشكل المفهوم عند الطفل، في علاقتها بمراحل النمو. لعل أهم من تناول هذا الموضوع هو "جون بياجي" Jean Piaget، ضمن نظرية الإبستيمولوجية التكوينية. سنقدم من خلال ما يلي أهم الأطروحات التي قدمها في الموضوع:
يتمثل المبدإ العام الذي استبد "جون بياجي" باكتشافه في عدم الاكتفاء بالبنيات المتطورة التي تظهر عند الراشد، والبحث -بالتراجع إلى الوراء- للوصول إلى جذور تلك البنيات.
إن الإبستمولوجيا من منظور "بياجي" لا تُعنى بالأسئلة التقليدية المرتبطة بالتساؤل عن ماهية المعرفة، وطبيعتها، وشروطها، وإمكانها، بقدر ما تتساءل عن كيفية نمو النظريات والمفاهيم والأفكار في حقل معرفي معين. لقد كانت نظرية المعرفة تناقش المعرفة من منطلق الماهية؛ أي باعتبارها معطى ثابتا ونهائيا؛ لذلك فقد تركزت أسئلتها حول ماهية المعرفة وإمكانها. أما الإبستمولوجيا –من منظور بياجي- فإنها تطرح مشروعا يتجاوز هذه الانشغالات التقليدية التي تأخذ المعرفة كواقع جاهز، لتتركز على المعرفة باعتبارها سيرورة.
إن نمط الأسئلة التي كانت حاضرة ضمن نظرية المعرفة كانت من قبيل: ما هي المعرفة؟ وكيف تكون المعرفة ممكنة؟ وما هي حدود المعرفة؟. إن هذا النمط من الأسئلة يبقي الإبستمولوجيا في دائرة الانشغالات الفلسفية. في حين أن ما يميز الإبستمولوجيا هو توجهها العلمي. لذلك فإن نمط الأسئلة التي تطرحه، هو من قبيل: كيف تنمو المعارف؟ ما هي الميكانيزمات التي تحكم سيروراتها وتحولاتها؟
يهمنا الحديث عن "بياجي"، ونحن نتحدث عن "انتقال المفاهيم"، من زاويتين:
أولاهما لها علاقة بتكون ونمو المفاهيم عند الطفل. ذلك أن "بياجي" ينظر إلى النمو كعملية ذاتية مستمرة، من خلال عملية التفاعل المتواصل بين الفرد ومحيطه الخارجي. وليس النمو مجموعة أفعال مقررة سلفا، ومثبتة في عضوية الطفل، في شكل برنامج يجمع الخبرات والمعارف. إذ ليس هناك بالنسبة لعلم النفس التكويني، بداية مطلقة لمفهوم من المفاهيم، نستطيع أن نعود إليها لنقول هنا يبدأ تشكل المفهوم. يطرح علم النفس التكويني مسألة دراسة نشأة وتطور البنيات المنطقية في ارتباطها بالنمو العقلي والعلاقات الاجتماعية للطفل من مرحلة الطفولة الأولى، إلى سن المراهقة من جهة.
أما ثانيهما فله علاقة بتكون المعارف، وما تخضع له من سيرورات. من هذا المنظور، لا يمكن النظر إلى أي مفهوم، مهما كان بسيطا، باعتباره معطى جاهزا، بل لابد من النظر إليه باعتباره سيرورة، خضعت لتحولات متوالية، لتصل إلى الصورة التي يوجد عليها في الحالة الراهنة.
إن الحديث عن النمو العقلي -عند بياجي- يثير مسألة تطور المفاهيم عند الطفل. وذلك من خلال تتبع وتحديد الكيفية التي تنمو من خلالها مفاهيم المكان والزمان والسرعة...إلخ. فإذا أخذنا مفهوم "المكان" -مثلا- يكتشف "بياجي" أن هذا المفهوم يخضع لتطورات متلاحقة. فالطفل لا يميز -في البداية- بين ذاته وبين الموضوع الخارجي؛ فهو يعيش نوعا من "التمركز حول الذات"؛ بحيث تصبح هذه الذات مركزا لا واعيا لعالمه الخاص. فهو غير قادر على وضع فاصل بين ذاته، وبين الموضوع الخارجي. إنه يخلط بين ما هو ذاتي وبين ما هو موضوعي، بين الحلم وبين الحقيقة، بين شعوره وبين الواقع. فهو يدرك دوافعه الشخصية كأشياء، ويحول رغباته الداخلية إلى علاقات سببية للظواهر الخارجية، ويفكر لنفسه، ويتصور أن ما يراه، يدور حوله بأمره، ويوجد من أجله.
يتحدد مسار النمو العقلي للطفل في علاقته بالمؤثرات التي يتفاعل معها، سواء أكانت هذه المؤثرات خارجية؛ ذات طبيعة حسية-حركية، أم كانت داخلية، متمثلة في عمليات التفكير. تتجسد هذه التغيرات، في نظر "بياجي" في نشوء البنيات Structures ، والخطط Schèmas. يقصد بالخطاطات الطريقة أوالأسلوب الذي يتبعه الطفل في التعامل مع الأشياء، والتصدي لمشكلات وموضوعات العالم الخارجي. سواء كان ذلك بصورة تلقائية، أم بصورة موجهة. لذلك يميز "بياجي" بين نوعين من الخطط. في النوع الأول يستجيب الطفل بصورة عفوية وتلقائية لما يدور حوله، أما في النوع الثاني فتكون الاستجابة غائية ومقصودة. تتكون هذه الخطط بصورة تدريجية؛ فالخطط الجديدة تندمج في الخطط القديمة، مؤلفة خططا ذات قابيلة أكثر لمواجهة المواقف المستجدة، التي يفرزها الواقع الخارجي. لذلك فإن الخطط الجديدة تتشكل في علاقتها بالخطط القديمة، وتندمج فيها، مؤلفة خططا أكثر تطورا وقدرة على مواجهة المواقف المستجدة التي يعززها الواقع الخارجي. وقد أشار "بياجي" إلى وجود "خطط قاعدية" تتشكل من المنعكسات الفطرية، أوالحركات الأولية التي يقوم بها الطفل عبر نشاطه الحسي- الحركي، من خلال تفاعله مع الأشياء والأشخاص. كما يمتلك الطفل، في كل مرحلة من مراحل نموه "بنيات"، أي مجموعة من العمليات المترابطة والمنتظمة، ذات مستويات متفاوتة، وتكون مسؤولة عن تحديد وتوصيف مراحل النمو.
يقوم علم النفس التكويني من منظور "بياجي" على فرضية أساسية، مفادها أن ذكاء الأطفال يتطور باستمرار، ويتأثر بالنضج الجسمي، في تفاعل مع البيئة التي يعيش فيها الطفل. وقد وضع "بياجي" اختبارات تقيس مرحلة النمو التي يصل إليها الطفل. إن هذه الاختبارات هي لمراقبة الأطفال، وتحديد المرحلة التي وصلوا إليها لمعرفة النمو الذهني لديهم. ولاشك في أن لهذا الأمر أهميته في تصميم المناهج، وأساليب التعليم، المناسبة للطفل في كل مرحلة.
ينظر "بياجي" إلى نمو المفاهيم عند الطفل في ارتباطه بعمليات النضج العضوي من جهة، وفي علاقته بعمليات التفاعل المستمر بينه وبين المحيط الخارجي من جهة أخرى. ولوصف هذه العمليات المعقدة يعمد "بياجي" إلى توظيف بعض المفاهيم البيولوجية، التي يلائمها مع علم النفس. نشير من خلال ما يلي إلى هذه المفاهيم بالطريقة التالية:
- "التمثل" : هو العملية التي يقوم بها الطفل في الواقع العملي؛ فهو يعمل على توحيد عناصر البيئة مع البناء المعرفي الذي يمتلكه. حيث يإخذ الحوادث الخارجية الخارجية من جهة، كما يستلهم ما يملكه من بنيات وخطط من جهة أخرى، بصورة تفضي إلى إدماج بعض عناصر هذا الوسط في تلك البنيات والخطط. لذلك يمكن القول إن مفهوم "التمثل" يحيل على عملية تكييف وملاءمة المثيرات الخارجية مع البناء العقلي الخاص.
- "المواءمة": يتعلق الأمر هنا بالتغيرات التي تطرأ على البنيات والخطط الذهنية التي يمتلكها الطفل؛ مما يجعله قادرا على التكيف مع المواقف الجديدة. لذلك يمكن اعتبار هذه العملية إجراء لاحق لعملية التكيف التي ذكرناها سابقا: إذا كان الفرد –في عملية التمثل- يحاول التغيير من المعطيات الخارجية حتى تكون مناسبة لبنيته العقلية، فإنه في مرحلة "المواءمة" يغير من نفسه حتى يتناسب مع الوضع الخارجي. لذلك ينظر بياجي إلى "التمثل"، و"المواءمة" باعتبارهما عمليتان متكاملتان؛ إذ تكون كل عملية سببا في ظهور الأخرى، ونتيجة لها في الوقت نفسه، ومن خلالهما يستطيع الطفل تحقيق التكيف المتواصل مع المحيط الخارجي..
"التكيف": يمثل التكيف اتجاها فطريا لدى الطفل؛ من خلال محاولة تحقيق التوازن بين عمليتي "التمثل" و"المواءمة"، وذلك عبر مطابقة الموضوعات والأشياء الخارجية مع السلوك المناسب. إن الطفل الذي يتعرض لإثارة جديدة يسلك أحد المسلكين: فهو إما أن "يتمثلها"؛ وذلك حين يحد أن هذه الخبرة تتوافق مع نظام فهمه للعالم، وإما أن "يتلاءم" مع هذه الخبرة ؛ من خلال إعادة تركيب نماذجه الإدراكية الخاصة، وذلك حين يجد ضعوبة في التمثل المباشر للوضعية الجديدة.
"التنظيم": تنشط هذه العملية بصورة فطرية لدى الطفل؛ وتعمل على ضمان الانتظام والاتساق في الأبنية العقلية الداخلية. فإذا كان "التكيف" يحيل على مسألة العلاقة بين الفرد والمحيط الخارجي، فإن "التنظيم" يحيل على الانسجام والتوازن المطلوب بين الصور الإجمالية الجديدة والقديمة. لذلك فإن هذه العملية تساعد على بقاء البنيات العقلية في حالة من الانتظام والانسجام على امتداد مراحل النمو وتعاقبها.
"التوازن": يتدخل هذا المبدأ المهم في مختلف مراحل النمو العقلي. يتمثل هذا المبدأ في عامل التوازن بين نشاط الفرد على البيئة وبين نشاط الفرد عليه، وذلك حتى يتم التكيف. إن أي مفهوم جديد لابد أن يتوازن مع سابقه؛ من خلال عمليات الاندماج، والتكيف التي تساهم في التماسك بين القديم والجديد.
من هذا المنطلق سيميز "بياجي" بين أربع مراحل أساسية لنمو المفاهيم عند الطفل:
أولا: مرحلة الإحساس والحركة. تمتد هذه الفترة من الميلاد إلى السنة الثانية من عمر الطفل تقريبا، يتمكن الطفل من تنظيم أنشطته الجسمية والعقلية في سلسلة من الأفعال. كما يتعلم التنسيق بين الإحساس والحركات، ويتعلم الربط بين الرمز والمرموز له في الكلمة.
ثانيا: مرحلة ما قبل العمليات. تمتد من السنة الثانية إلى السنة السابعة من عمر الطفل. يمكن اعتبار هذه الفترة امتدادا للمرحلة الأولى وبنية أساسية للمرحلة الثالثة. تمتد من سنتين إلى السنة السابعة من عمر الطفل تقريبا. يبدأ الطفل –في هذه المرحلة- تعلم اللغة؛ يظهر ذلك في شكل كلمات، ثم عبارات. إذ في حدود العام الرابع تصبح اللغة أداة فعالة في تنمية المفاهيم لديه، بعد أن يسيطر عليها سمعا وكلاما. لذلك فإن اكتساب اللغة يشكل أهم تطور عند الطفل في هذه المرحلة .
تبقى السمة الأساسية لتفاعل الطفل مع العالم الخارجي، إلى حدود هذه المرحلة هو "التمركز على الذات". لذلك تكشف هذه المرحلة عند الطفل عن غلبة الفهم الذاتي على الفهم الموضوعي، الذي هو سمة النشاط الغالب على الإنسان الراشد. هكذا يفتقر الطفل في هذه المرحلة إلى التفسير الذي يمكنه من الوقوف عند العلاقات السببية بين الحوادث الخارجية، وكذا تعليل الظواهر والتغيرات التي تطرأ على الوقائع. كما يبدو الطفل كأنه يمتلك قدرة سحرية تمكنه من التأثير في الأشياء الخارجية بحركاته وأقواله؛ من ثم يميل إلى إضفاء صفاته الشخصية على الأشياء المادية التي يتعامل معها؛ بحيث يقع نوع من الاختلاط بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي. لذلك فإن الشمس والقمر والأشجار...وغيرها من عناصر الطبيعة تتحرك كما يتحرك. كما أن هذه العناصر الطبيعية تبصر وتسمع وتبكي لأنها تملك العين والسمع والفم. أيضا ينظر الطفل إلى العناصر الطبيعية المحيطة به على أنها من صنع قوى قدرات خارقة.
ثالثا: مرحلة العمليات الملموسة.
تمتد من السنة السابعة إلى السنة الثانية عشر من عمر الطفل. يتطور في هذه المرحلة تفكير الطفل من الحدسية إلى القيام بعمليات منطقية حسية، كما يظهر لديه تراجع ملحوظ في التمركز حول الذات. هكذا يصبح الطفل قادرا على التفكير المنطقي، أيضا يصبح قادرا على تصنيف الأشياء إلة فئات جزئية. وإذا كان الطفل يجد صعوبة في فهم التجريدات اللفظية، فإن قدرته على القيام ببعض العمليات الرياضية والمنطقية تزداد. كما ينخرط في العلاقات الاجتماعية، وتبادل المعلومات ووجهات النظر.
ويتصور بياجي أنه مع نموه تنحسر خاصية التمركز حول الذات، لتفسح المجال أمام تكون التصورات الموضوعية لديه وظهور الفهم المنطقي لما يحيط به من أشياء، وما يجري حوله من حوادث. وبفضل هذه التشكيلات الجديدة يصبح قادرا على تحديد الظواهر والأفعال عن طريق ربطها بأسبابها وإدراك العلاقات المتبادلة القائمة بينها.
رابعا: مرحلة العمليات المجردة. سميت بهذا الإسم، لأن الطفل-الذي صار شابا الآن- أصبح بإمكانه القيام ببعض العمليات العقلية دون أن يستخدم مجسمات لها.تمتد من السنة الثانية عشر إلى السنة الخامسة عشر. يرى بياجي أن تفكير الطفل يصل -في هذه المرحلة- إلى قمته في هذه المرحلة، بحيث يصبح ممتلكا القدرة على التعامل مع المفاهيم العقلية المعقدة. هكذا يقوم بتوظيف الفرضيات، والاستنتاجات، والملاحظات. وإذا كان النمو العقلي للطفل قد وصل إلى ذروته في هذه المرحلة، فإن التغيرات التي تحصل في ما بعد ستكون كمية لا نوعية.
هناك عوامل متعددة تؤثر في نمو المفاهيم عند الطفل، تتمثل في النضج السيكولوجي في المخ والجهاز العصبي، والخبرة الجسمية، المتمثلة في تفاعل كل شخص مع الأشياء في بيئته، والخبرات الاجتماعية، المتمثلة في التفاعل مع الأشخاص مع الآخرين. هناك أيضا عمليات التوازن المستمرة التي تخضع لها المعطيات، بواسطتها التركيب العقلي، وذلك من خلال عمليتي الاستيعاب والتسكين.
مقال للكاتب محمد مريني ( منقول للفائدة العامة )
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
الإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
الثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك
» كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
الأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri
» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
الإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams
» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams
» بالمحبة والاقتداء ننصره.
الأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams
» Le Nom .مراجعة
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد