لا تقف على ظل المعلم

وقفت طويلاً أمام المثل الشعبي الكوري الجنوبي الذي يقول: (لا تقف على ظل المعلم) تقديرًا له واحترامًا لرسالته التعليمية. وفي الثقافة العربية لدينا أمثلة عديدة لكن أبرزها بيت أحمد شوقي: «قم للمعلم وفه التبجيلا». لكن الفارق بيننا وبين كوريا الجنوبية أن كوريا عملت بمثلها الشعبي ونحن أضعنا أحمد شوقي وبيت شعره، حتى إن الدراما العربية جعلت من المعلم مادة تلفزيونية مضحكة وسخرية مفتوحة ووضعته في (كاراكتر) وشخصية هزلية يعتاش ويسترزق من الدروس الخصوصية ويتطفل على رجال الأعمال والأسر الغنية وأنقصت من فكره وثقافته حتى سفهت آراءه الشخصية في القضايا الخاصة والعامة في السياسة والاقتصاد والفكر.
كوريا الجنوبية التي قامت جمهوريتها عام 1948م بعد أن تحررت من اليابان عام 1945م وخرجت من حرب الكورية عام 1953م التي بدأت عام 1950 خرج إنسانها من رماد الحرب متعافيًا، رغم الانهيار في الاقتصاد والدمار العمراني عكفت على التعليم حتى إن حكومتها وضعت المعلم في مصاف الطبقة العليا اجتماعيًا ووظيفيًا وأعادت تسمية وزارة التربية إلى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية ومنح وزير التربية منصب نائب رئيس الوزراء، وأصبحت منزلة المعلم لا تقل شأنًا عن منزلة الوالدين واعتبرت الحكومة والشعب مهنة التعليم من المهن المقدسة، واستثنت المعلم من أداء الخدمة العسكرية، وإذا التحق بدورة فإنه يضم إلى دورات الضباط.
بهذه الصورة تنظر وتتعامل الحكومة مع المعلم تجعل له منزلة عالية بين أصحاب المهن والأعمال، لذا اجتازت كوريا أزماتها السياسية والحروب التي فرضت عليها من احتلال ياباني وحرب كورية وأزمة اقتصادية عام 1997م. ورغم أن سكانها تجاوز (50) مليونًا وعدد طلابها تجاوز (11) مليونًا إلا أنها جعلت همها وتركيزها ينصب على التعليم النوعي والمتعدد التقليدي والمهني. وأعطت التعليم التقني حصة كبيرة في التعليم العام بلغت 35٪ من طلابها وجعلت التعليم العام موجهًا لخدمة التربية والولاء الوطني وسوق العمل.وتذكر الإحصاءات أن 90٪ من خريجي التعليم المهني يلتحقون بسوق العمل مباشرة.
رغم أن كوريا تحررت من اليابان عام 1945م وأنهت حربها مع جارتها الشمالية 1953م إلا أنها مع ألمانيا واليابان استطاعوا استيعاب فداحة وخسائر الحرب العالمية الثانية لينهضوا في زمن قصير جدًا كقوة اقتصادية وصناعية كبرى مؤثرة في السياسية والاقتصاد العالمي. منقول للفائدة العامة