منتدى حمده بومنصورة *ينبوع المعرفة * الطارف

حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً .. أهلاً بك بين اخوانك واخواتك آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى حمده بومنصورة *ينبوع المعرفة * الطارف

حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً .. أهلاً بك بين اخوانك واخواتك آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا

منتدى حمده بومنصورة *ينبوع المعرفة * الطارف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى حمده بومنصورة *ينبوع المعرفة * الطارف

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 320 بتاريخ السبت 17 ديسمبر 2016 - 23:28

المواضيع الأخيرة

»  صور مشبات رخاميه صور مشبات حجر ملكيه اشكال 2021
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك

» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك

»  صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك

» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك

»  كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri

» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams

» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams

» بالمحبة والاقتداء ننصره.
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams

» Le Nom .مراجعة
التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Emptyالجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 16045 مساهمة في هذا المنتدى في 5798 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 11084 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو houda-56 فمرحباً به.

.: زوار ينبوع المعرفة :.

لغة الينبوع

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

برامج للكمبيوتر

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

+google

مواقيت الصلاة


    التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم

    avatar
    طارق
    عضو مميز

    عدد المساهمات : 180
    تاريخ التسجيل : 13/03/2010
    العمر : 50
    26032010

    التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم Empty التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكــريم

    مُساهمة من طرف طارق

    التشكيل البلاغي لإعجاز القرآن الكريم
    يعدّ التشكيل البلاغي من أهم المقاربات النقدية للنص القرآني للكشف عن الجانب الفني لإعجاز القرآن، وقد تزود فريق من الدارسين بأدوات إجرائية تنهل من خصوصية النص المقدس، وهي أدوات حداثية قياساً إلى عصرها، ولم يسبق لأي نص أن عُولج بمثل هذه الوسائل. ويكشف هذا المنحى والتوجه عن قراءة جديدة للقرآن تنطلق من أسس جمالية وفنية، وهي قراءة ترتفع بالقارئ إلى مستوى النص المقروء فكرياً ومعرفياً وفنياً؛ لأن هذا النص المقدس قد توفرت لـه طرق تحليلية كشفت عن مستويات من القراءة، وإن كان أساسها التشكيل البلاغي، ولعلنا نقصد بالتشكيل البلاغي أصول الصناعة الفنية التي تشكل النص تشكيلاً أسلوبياً متميزاً، يستفيد من التشكيل النحوي الذي يرتبط بتلك "الملاحظات الأساسية التي تتردد في الموروث البلاغي والنقدي من زوايا مختلفة.. لقد لاحظ بعض النقاد، ما يتميز به التركيب النحوي من خاصيات دقيقة، وما فيه من ثراء وغموض وتعقيد، وأثره في إعطاء مفهوم خاص للشعر"(1).
    والواقع أن هذه القراءة قد استفادت مما وصل إليه الفكر الإسلامي من رقي وازدهار من خلال اتصال المسلمين بالفلسفات غير العربية، والتي كشفت لهم عن مستويات من النظر والتفكير دفعتهم إلى معالجة النص من حيث الوضع والاستعمال والاعتقاد. والقراءة أوسع "مجالاً وأقل تسلطاً. تنشئ بين القارئ والمقروء علاقة ألفة، تسعى إلى المتعة والفهم أكثر مما تسعى إلى الحكم، تنصت إنصاتاً رقيقاً إلى نبض الحياة في المقروء حتى تقع على إيقاعه وتلابس طقوسه وتكاشف أسراره"(2).
    وانطلاقاً من ههنا أمكن لهؤلاء القراء التموقع لقراءة هذا النص مستفيدين من الأدوات الإجرائية البلاغية للتنقيب والكشف عن خصائص النص المقدس الإعجازية، فتتبعوا أنساقه التركيبية "وبين سبر الأنساق التركيبية واستنطاق العلامات ومحاورة الدلالات تكمن تراتبية مستويات القراءة الحصيفة التي تبدأ بالدوران حول النص ومناورته لوجود ثغرة للنفاذ إلى داخله، والبحث عن نواته... والتمركز في منطقة ما بداخله لرصد علاماته ودراسة مقوماته، من خلال التراتب اللساني.. ومن ثم التوافق معه أو فتح النقد عليه أو تقويضه وإعادة معماره وفق تشكيل هندسي يقولب في منهج القارئ"(3).
    فتح النص القرآني آفاقاً واسعة لانفتاحه على قراءات متعددة، على الرغم من توحد الدال –النص، لتعدد الدلالات الذي اقتضى تعدد الوسائل لقراءة الدال –النص. فقد "صارت القراءة مشروعاً فكرياً واتجاهاً علمياً بعد أن كانت تجاوباً سلفياً فطرياً. ولما كان القرآن المرجعية التي لا تمارى؛ فإنه هيمن على سائر الحقول الثقافية.. واكتسب النص مشروعيته عبر التفوق والتخطي للموجود"(4).
    كان هذا النص نصاً إشكالياً لتمحوره حول دلالة استفادت من الأنساق البلاغية التي قطعت تلك العلاقة القديمة بين الدال والمدلول وقدمت علاقة جديدة ابتعدت، إلى حد ما، عن تلك المرجعية المألوفة، فارتقت باللغة إلى مستوى القداسة والإعجاز. واقتضى هذا الوضع أن ترتقي المعالجة إلى مستوى النص الذي ولد عن طريق التأليف، علاقات داخلية تشكّل لحمة النص، ولعل هذا يتقاطع مع ما ذهب إليه كريم أبو حلاوة حول استفادة النقد من البنوية إذ "أصبح النقد قراءة تكشف عن مستويات الدلالة وتشرعها على احتمالاتها؛ فالقراءة تأويل لا ينظر إلى حقيقة النص أو معناه، في ضوء علاقته بمرجع خارجي لأن حقيقة النص تكمن في قراءته"(5).
    ولا شك أن الذي قام به هؤلاء الإعجازيون كان للكشف عن جماليات النص لإنتاج معرفة بمكوناته وعناصره؛ ذلك أن البشر وقفوا حيارى أمام القرآن الكريم، ومما قوّى هذا الشعور لديهم "إلحاح النص القرآني نفسه على مفارقة فيه تؤسسه أتعبت علماء الإعجاز وأصابتهم بكثير من الحرج؛ لأنهم لم يدركوا أنها، أي تلك المفارقة، جوهر الإبداع المنسوج على غير منوال ونعني بها مفارقة الاختلاف /الائتلاف. فبقدر حرصه على كونه (ليس كمثله شيء) كان حرصه على تأكيد صلته بلغة العرب والجاري من أساليبهم وطرائق تصريفهم اللغة"(6).
    ويبدو أن هذه المعادلة الاختلاف/ الائتلاف هي مفتاح كل تلك المعالجات التي ذهبت تستدل على إعجاز القرآن فاستحضرت لذلك مجموعة من الشواهد التي تؤكد جمالية الاختلاف والائتلاف في الصياغة والعبارة والفصاحة لتصل إلى درجة تقدر معها على تأويل النص القرآني وتخريج دلالاته، "فالقراءة ليست مجرد صدى للنص بل هي احتمال من احتمالاته الكثيرة، إنها منتج للاختلاف ومولد للتباين"(7).
    ولعل هذه المعادلة كشفت عن معادلة أخرى جعلت هذا النص منغلقاً ومنفتحاً في الوقت ذاته انطلاقاً من الاختلاف والائتلاف:
    الاختلاف/ الائتلاف .. الانغلاق/ الانفتاح
    فقد أفضى هذا الوضع إلى تعدد القراءة التي تجمع بين انغلاق النص وانفتاح المقاربة في مقام، وفي مقام آخر أدى إلى تعدد القارئ الذي وجد نفسه أمام نص قابل للتأويل والقراءة المتعددة، ويصبح السؤال التالي مهماً، ألم يقُد هذا إلى انغلاق القراءة على الرغم من تعددها، وإرسالها للقارئ النموذجي؟
    إن هذا الفعل هو الذي حرّك مباحث علماء الإعجاز "باتجاه التوسع في دراسة مختلفة الأسباب ورصد ما تولده في الكلام من طاقات في التعبير وقدرات على إحلال النص من البلاغة مراتب قد تبلغ به غاية لا تدرك. وعند هذه النقطة يتطابق البحث في الإعجاز والبحث في إمكانيات اللغة ووجوه تصريف الخطاب"(8).
    1-مراتب الكلام وأقسامه:
    لقد أدى الاهتمام بخاصية الاختلاف والائتلاف في النص المقدس إلى الحديث عن الكلام ومراتبه وأقسامه للوصول إلى المعجز من الكلام والممكن منه وما هو دور ذلك في الخطاب. فقد ذهب ابن قتيبة إلى أن الكلام ينقسم إلى قسمين، القرآن الكريم الذي خصه الله سبحانه وتعالى بخصائص جعلته متفرداً قائماً بذاته لاحتوائه على تشكيل بلاغي يعتمد على دقة التعبير وإجادة التصوير والاقتصاد في اللفظ والتوسع في الدلالة. يقول ابن قتيبة عن القرآن الكريم: "وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلواً لا يمل على طول التلاوة ومسموعاً لا تمجه الآذان، وغضاً لا يخلق على كثرة الرد، وعجيباً لا تنقضي عجائبه، ومفيداً لا تنقضي فوائده، ونسخ به سالف الكتب. وجمع الكثير من معانيه في القليل من لفظه، وذلك قول رسول الله: [أوتيت جوامع الكلم](9).
    ويكشف هذا القول عن أن القرآن هو أعلى مراتب الكلام، بل إنه قمة الكلام لما خصّه الله به من مزايا بلاغية والتي لم يدخر ابن قتيبة جهداً في استخراجها والكشف عنها" ولن يستطيع باحث أن يغفل صنيع ابن قتيبة في استخراج ما في القرآن من أنواع المجاز وتبويبها أبواباً مفصلة بلغت عدد صفحاتها أربعاً وخمسين ومائة قبل أن يؤلف ابن المعتز في سنة أربع وسبعين ومائتين بسنوات وسنوات"(10).
    وبذلك يكون قد أسهم في بناء صرح الدرس البلاغي، وكشف عن مستوى من المعالجة يعتمد على بناء الإعجاز على أساس بلاغي. ويربط بين خاصية الإعجاز وخصائص اللغة العربية الأسلوبية، وقد خصّها الله بالقداسة دون سائر اللغات. يقول ابن قتيبة: "وإنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره واتسع علمه وفهم مذاهب العرب وافتتانها في الأساليب، وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات؛ فإنه ليس في جميع الأمم أمة أوتيت من المعارضة والبيان واتساع المحال ما أوتيته العرب خصيّصي من الله لما أرهصه في الرسول، وأراده من إقامة الدليل على نبوته بالكتاب، فجعله علمه كما جعل علم كل نبي من المرسلين من أشبه الأمور بما في زمانه المبعوث"(11).
    وهكذا نجد ابن قتيبة يؤكد مبدأ الاختلاف/ الائتلاف في النص القرآني والذي لا يتأتى إلا لعالم بأسرار اللغة العربية المميز لمراتب الكلام يقول ابن قتيبة "وللعرب الشعر الذي أقامه الله تعالى لها مقام الكتاب لغيرها وجعله لعلومها مستودعاً، ولآدابها حافظاً لأنسابها مقيداً(12) ومع هذا كله فإن الشعر على علو شأنه وقيمته؛ فإنه لا يرتقي إلى مراتب القسم الأول من الكلام.
    وما يؤكد هذا أن هذا الناقد راح يوازن بين الإيجاز في القرآن والإيجاز في الشعر ليشير إلى تفوق الأول على الثاني. عقب على قوله تعالى في المنافقين يحسبون كلَّ صيحةٍ عليهم هُمُ العَدَوُّ ( المنافقون: 4) فدلّ على جبنهم واستشرافهم لكل ناعر، ومرهج على الإسلام وأهله وأخذه الشاعر، وأنى له هذا الاختصار فقال:
    ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيداً وأزنما
    يقول: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلاً تدعو هاتين القبيلتين"(13).
    ويعود هذا إلى أن ماهية النص القرآني قد تحددت "من خلال طابعه الجمالي الإعجازي الذي ظلّ يجوز به الرجاحة الفنية على ما عداه من فنون الخطاب الشعري المؤثر"(14) وقد حرص ابن قتيبة وسواه من علماء الإعجاز على هذا، وعلى التأكيد على خاصية الاختلاف/ الائتلاف.
    وفي مقام آخر يشير إلى خصائص القسم الثاني من الكلام إذ يقول: "ولو كان كل فن من العلوم شيئاً واحداً: لم يكن عالم ولا متعلم، ولا خفيُّ ولا جليُّ؛ لأن فضائل الأشياء تعرف بأضدادها، فالخير يعرف بالشر، والنفع بالضر، والحلو بالمر والصغير بالكبير، والباطن بالظاهر. وعلى هذا المثال كلام رسول الله، وكلام صحابته والتابعين، وأشعار الشعراء، وكلام الخطباء. ليس منه شيء إلا وقد يأتي فيه المعنى اللطيف الذي يتحير فيه العالم المتقدم، ويقر بالقصور عنه المبرز"(15). وبذلك يشير إلى قضية مهمة خاصة بهذا القسم، كيف أمكن لهذه اللغة أن تكون على قسمين، قسم راق لا يدركه البشر، وقسم هو في متناول البشر؟ وليس أي بشر، فقد كان العربي يتمتع بالفصاحة والبلاغة والقدرة الجيدة على القول والتفنن فيه، "فالخطيب من العرب كان إذا ارتجل كلاماً في نكاح أو حمالة، أو تحضيض، أو صلح، أو ما أشبه ذلك، لم يأتِ به من واد واحد بل يفتن فيختصر تارة إرادة التخفيف، ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرر تارة إرادة التوكيد ويخفي بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين، ويكشف بعضها حتى يفهمه بعض الأعجمين، ويشير إلى الشيء ويكني عنه"(16) ويعود السر في هذا قوله أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يتحدى العرب بأقوى سلاح لديهم، ليثبت لهم عجزهم "إن الله جعل معجزة محمد() القرآن الكريم كما جعل علم كل نبي من المرسلين من أشبه الأمور بما في زمانه المبعوث فيه، فكان لموسى فلق البحر واليد والعصا.. إلى سائر أعلامه زمن السحر، وكان لعيسى إحياء الموتى وخلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص إلى سائر أعلامه زمن الطب. وكان لمحمد() الكتاب.. إلى سائر أعلامه زمن البيان"(17).
    وإذا كان ابن قتيبة قد قسّم الكلام إلى قسمين فإن الزماني(384 هـ) قد قسم الكلام إلى ثلاثة أقسام بعد أن عدد مظاهر الإعجاز في رسالته النكت في إعجاز القرآن، إذ يقول: "وجوه الإعجاز تظهر من سبع جهات: ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة، والبلاغة والأخبار الصادقة عن الأمور السابقة، ونقض العادة، وقياسها بكل معجزة"(18).
    وعلى الرغم من ذكره لكل هذه المظاهر؛ فإنه ركز حديثه على البلاغة لأهمية هذا المظهر في التشكيل الفني للكلام، فقسّم البليغ على ثلاث طبقات: الأعلى، الأدنى، وما هو وسط بين الأعلى والأدنى، وذهب إلى أن أعلى طبقة هي بلاغة القرآن الكريم وهي له خاصة وهي المعجزة، وما كان دون هذه الطبقة فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس"(19).
    وإذا كان الأمر كذلك فما علاقته بالتأليف؟ وهل أن إتقان تأليف الكلام البليغ يوصل إلى المعجز؟ إن طريق الرماني محفوف بالمخاطر وقد يدفع إلى القول "إن محاولة الرماني لم تتعد الاستعانة بالمصطلح البلاغي شيئاً كثيراً إلا في جانب التأثير النفسي"(20) ويبدو أن الرماني كان حبيس مرجعية دينية تفرّق جيداً بين المقدس، الذي لا يمكن إدراكه، والبشري، الذي هو في متناول المؤلفين والبلغاء؛ لأن التأليف لا حدود له. يقول الرماني: "فأما دلالة التأليف فليس لها نهاية ولهذا صحّ التحدي فيها بالمعارضة لتظهر المعجزة، ولو قال قائل: قد انتهى تأليف الشعر حتى لا يمكن أحداً أن يأتي بقصيدة إلا وقد قيلت فيما قيل، لكان ذلك باطلاً؛ لأن دلالة التأليف ليس لها نهاية كما أن الممكن من العدد ليس لها نهاية يوقف عندها لا يمكن أن يزاد عليها"(21).
    ومثل هذا الكلام قد يحيل إلى التناقض في فكر الرماني، ويدفع إلى القول: "وهذا أمر منوط بالتصور، وهو خطأ كما ترى، إذ لا بد من نهاية منطقية ليكون المعجز نفسه هو نهاية الحسن"(22). وهو انتقاد وجيه وصائب، إلا أننا يمكن أن نلتمس للرماني مخرجاً، وهو أن رأيه مرتبط بسياق معين، وأنه ركز على دلالة التأليف التي تجعل النص نصاً مفتوحاً على عدة قراءات. ويرجع رأي الرماني هذا إلى شعور بعض المبدعين بقلة المعاني، وما ترانا نقول إلا معاداً، وفي هذا الإطار نفسه قد تفقد اللفظة القدرة على احتواء المعنى؛ مما يستدعي التجديد والالتفات حول المعنى رغبة في التجديد والتحديث؛ لأن الكلمة لو غطت المعنى لانتهى كل شيء، ولهذا لا يقال كل شيء. وقد يتأتى هذا عن طريق بناء علاقات جديدة بين الكلمات لتؤدي معاني جديدة حديثة ما كان ممكناً الوصول إليها من دون هذه العلاقات. إنها الرغبة نحو الكمال، الرغبة نحو أن تغطي الكلمة مساحة جديدة من الفراغ، وتتخلى عن مساحة أخرى وقد تحافظ عليها. هذا التموقع هو الذي يطور اللغة والفكر ومن ثم الإنسان.
    ويطرح هذا الموقف إشكالاً لاعتماده على المرجعية أو السياقية في القراءة، "فبينما كان المرجع الخارجي يشكل قوام الدلالة في النظرية العربية التقليدية في النقد، وبقيت العلاقة بين التعبير والمعنى خاضعة لمفهوم الثنائية (ثنائية اللفظ والمعنى). أصبح التعبير أو البنية النصية كلاً واحداً مستقلاً؛ لأن الدال والمدلول يشكلان بنية"(23). والواقع إذا كانت البنوية اهتمت بالنص ودلالته؛ فإن النص المقدس يصعب مقاربته من دون مرجعية، فقضية الإعجاز هي في حد ذاتها قضية مرجعية فكرية ودينية وفنية وجمالية.
    وإن هذا ما دفع ابن سنان الخفاجي إلى الردّ على الرّمَاني، مقلصاً المسافة بين القسم الأول والقسم الثاني فقال: "ليس الأمر على ذلك، ولا فرق بين القرآن وبين فصيح الكلام المختار في هذه القضية. ومتى رجع الإنسان إلى نفسه وكان معه أدنى معرفة بالتأليف المختار وجد أن الإعجاز لا يتم إلا بمثل هذه الدعوى الفاسدة، والأمر بحمد الله أظهر من أن يعضده بمثل هذا القول الذي ينفر عنه كلّ من علق من الأدب بشيء أو عرف من نقد الكلام طرفاً(24). وما يؤكد هذا أن التحدي كان بسورة من القرآن أو بمثله، ولم يكن بآية أو بعدد من الآيات. ومعنى هذا أنه إذا كانت المسافة تضيق بين بعض القرآن وبعض كلام البشر؛ فإنها تتسع وتكبر إذا تعلق الأمر بكل القرآن والكلام البليغ. إنه السهل الممتنع. وسنقف لاحقاً عند ردود ابن سنان على الرماني.
    وأما أبو هلال العسكري، فقد قسّم الكلام على مستويين: مستوى إعجازي قدسي، وهو كلام الله (القرآن الكريم)، ومستوى بلاغي إنساني بشقيه: الكتابة والشعر. وجاء المستوى الأول معجزاً بما خصّه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللطيف، وما ضمنه من الحلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمة وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنة التي عجز الخلق عنها وتحيرت عقولهم فيها"(25). وتتعلق هذه الخصائص بالتشكيل البلاغي للكلام، ولا يمكن إدراك المدى الإعجازي لهذا المستوى إلا عن طريق تعلم البلاغة(26) التي بوساطتها يتم التمييز بين الكلام الجيد من الرديء، واللفظ الحسن من القبيح، والتي تمكن من ابتكار المعاني الجيّدة وابتداعها. والواقع أن مثل هذا التوجه توجه صحيح، وكان يمكن أن يفضي إلى دراسة النص دراسة أسلوبية تكشف عن القيم الجمالية المتمثلة في أبواب البلاغة العربية كالمجاز بكل أنواعه والحقيقة، وجماليات الاقتصاد اللغوي والتحسينات الأدبية، وقد اقترب العسكري من عناصر التشكيل البلاغي هذه في قوله: "فرأيت أن أعمل كتابي هذا مشتملاً على جميع ما يحتاج إليه في صنعة الكلام: نثره ونظمه، ويستعمل في محلوله ومعقوده من غير تقصير وإخلال، وإسهاب وإهدار وأجعله عشرة أبواب مشتملة على ثلاثة وخمسين فصلاً(27).
    إن طريق الإعجاز هو طريق معرفة البلاغة، أو بمعنى آخر، فإن العسكري ينطلق من النص البشري ليصل إلى النص القدسي ومعرفة صنعة الكلام وتشكيله تشكيلاً بلاغياً من خلال علاقة اللفظ بالمعنى، أو الدال بالمدلول، والتي ترتبط بحسن التأليف، وحسن الجوار. يقول العسكري: "وقبيح لعمري بالفقيه المؤتم به والقارئ المهتدي بهديه والمتكلم المشار إليه في حسن مناظرته وتمام آلته في مجادلته، وشدة شكيمته في حجاجه، وبالعربي الصليب والقرشي الصريح ألا يعرف إعجاز كتاب الله تعالى إلا من الجهة التي يعرفه منها الزنجي والنبطي أو من يستدل عليه بما استدل بها الجاهلي الغبي"(28). ويعني هذا أن للقرآن وجوه إعجاز ولعل أقواها وأحسنها الإعجاز الفني، وعلى العربي أن يدرك الإعجاز عن طريق البلاغة، وربط كل ذلك بحسن التأليف، وهذا ما حمل أحد الدارسين على القول في العسكري: "وهو من مذهب القائلين بأن الإعجاز إنما يكمن في حسن التأليف وبراعة التركيب. ولكنه ليس كالباقلاني في الفصل بين الحديث عن نظام التأليف وصور البديع، وإنما يرى أن الكشف عن وجوه البديع وصور البيان وسيلة لإدراك حسن النظم والتأليف، أي أنه يريد أن يتعلم الناس البلاغة ليتكون لديهم الذوق والفهم المسعفان على إدراك الإعجاز"(29).
    ويرى العسكري أن المعجز من الكلام أرقى من البليغ البشري وعلينا أن نستثمر هذا الأخير لإدراك الأول واستيعابه والاقتداء به، وذهب إلى أن أجناس الكلام المنظوم ثلاثة: الرسائل، والخطب والشعر وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب(30).
    2-التشكيل الفني للنص:
    ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أن هؤلاء الدارسين قد نظروا للنص من داخل نص مثل القمة في تصورهم واعتقادهم، فأصبح من الضرورة وضع خصائص تدعم هذا الزعم، وقد سهّل لهم ذلك القرآن الكريم فقد كان النموذج، وموضوع الإجراء في الوقت ذاته واقتضى هذا أيضاً العودة إلى النص الشعري القديم المرجع والأساس الذي يمثل قمة الفصاحة الإنسية العربية.
    لقد أصبح لهؤلاء الإعجازيين مرجعان مهمان في كل تنظير أو ممارسة نقدية أو حتى قراءة، فمن جهة القرآن الكريم، ومن جهة أخرى الشعر العربي القديم والمأثور من قول العرب في تراتبية متفق عليها. فالقرآن عند ابن قتيبة هو النموذج، وقد بيّن أسرار التشكيل في هذا النص. وقد جمعها أحد الدارسين(31) في:
    1-"ما فيه من الجمال التوقيعي الفريد والنسق الصوتي البديع الناشئ من تقسيم الحركة والسكون فيه تقسيماً عادلاً، وتوزيع حروف المد والغنة بالقسطاس المستقيم فيتمكن القارئ له من ترجيح صوته والترنم به، حتى يصل إلى نهاية الفاصلة فيجد عندها راحته واستقراره، فلا يمل من قراءته ولا يسأم من تلاوته:. قد يكون هذا الأمر حقيقة ولا تحتاج البرهنة عليه كبير جهد، ولكن الأمر المهم هو أن هذا التوزيع لم يكن توزيعاً عادلاً، وإنما كان توزيعاً بحسب السياق الذي يرد فيه النص. فلكل نص مقام أو كما يقال: لكل مقال مقام، وهذا التنوع هو الذي أعطى النص القرآني جماليته، ولهذا قال عنه ابن قتيبة "وجعله متلوا لا يمل على طول التلاوة وغضاً ومسموعاً لا تمجه الآذان"(32).
    ويحيلنا قول ابن قتيبة هذا إلى شيء مهم، وهو علاقة النص بالقراءة بل كأنه يشترط في جمالية النص أن يكون مقروءاً، وهذه القراءة التي تنتج متعة ومعرفة وتقبلاً وتذوقاً.
    2-"ما فيه من المعاني البلاغية التي تعتمد على دقة التعبير وإجادة التصوير بأسلوب يثير الخيال ويحفز على العمل وقد ذكر منها ابن قتيبة –عقب رأيه هذا- الإيجاز"(33). والواقع أن ابن قتيبة قد أصاب حين أشار إلى هذه المسألة المهمة، فالنص الذي يعتمد على دقة التعبير وإجادة التصوير، لا محالة أنه نص موفق فيه، وخاصة أنه يحقق قانوناً مهماً وهو التضييق في اللفظ والتوسع في الدلالة. "وجمع الكثير من معانيه في القلليل من لفظه"(34)، وقد مثل لذلك بقوله تعالى: يحسبونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَليهم هُمُ العَدُوُّ (المنافقون: 4).
    فقال: "فدلّ على جبنهم واستشرافهم لكل ناعر، ومرهج على الإسلام وأهله وأخذه الشاعر. وأنى له هذا الاختصار فقال:
    ولوْ أنّها عصفورةٌ لحسبتها مسمومة تدعو عبيداً وأزنما
    ويقول: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبيلتين"(35).
    وإذا كان ابن قتيبة توفيقياً، أو كما قال إحسان عباس: ".. وجدنا أن التوفيق والتسوية صفتان تمثلان جهد ابن قتيبة في مختلف الميادين، ومنها النقد الأدبي"(36) فإنه في هذا الموقف متحيز إلى النص القرآني ويراه قمة التعبير ونهايته، ثم يأتي النص الأدبي الإنسي. وانطلاقاً من هذا الأساس راح يوازن بين إيجاز النظم القرآني، والإيجاز في سائر الكلام ليظهر تفوق الأول على الثاني.
    ثم إن ابن قتيبة ربط بين النص وطبيعة الأسلوب وطرق أداء المعنى في نسق مختلف بحيث يكون لكل مقام مقال. يقول: "فالخطيب من العرب إذا ارتجل كلاماً في نكاح أو حمالة أو تحضيض أو صلح أو ما أشبه ذلك. لم يأتِ به من واد واحد، بل يفتن فيختصر تارة إرادة التخفيف، ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرر تارة إرادة التوكيد، ويخفي بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين، ويكشف بعضها حتى يفهمه" (سبق الاستشهاد به).
    وانطلق الرماني في تحديده لماهية النص من تعليله للإعجاز في القرآن الكريم، فقام النص البليغ عنده "على إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ"(37) وهو بذلك يشير إلى قضية مهمة، وهي ارتباط النص بأطراف العملية التواصلية من باث ومتلقِ ونص عن طريق تأثير النص في المتلقي، ويعني هذا أن النص يفترض في الأساس متلقياً يجب أن يتكيف معه لتتم عملية التواصل بشكل مفيد، والواقع أن الرماني يشير إلى الأثر النفسي للنص، أي إلى علاقة القارئ بالنص. فإيجاز الحذف في النص على سبيل المثال بليغ "لأن النفس تذهب في كلّ مذهب"(38) وهو بذلك ينبه إلى أمر مهم، إنه يقف عند انفتاح النص وتعدد القراءات، ويصبح مجال التأويل رحباً واسعاً؛ لأن النفس تذهب فيه كلّ مذهب، والنص بهذا المفهوم نص تحكمه مجموعة من القوانين الجمالية، وهي التي تدفعه نحو هذا الأفق الرحب.
    وأمّا التلاؤم في النص فغايته "تقبل المعنى في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدلالة"(39). فكان التلاؤم بذلك مبدأً جمالياً ضرورياً لنجاح النص؛ لأنه نقيض التنافر، ويقوم عنده على تعديل الحروف في التأليف، والتأليف عنده متلائم في الطبقة العليا، ومتنافر ومتلائم في الطبقة الوسطى انطلاقاً من تقسيمه الثلاثي. الذي وظفه في سبيل الكشف عن الإعجاز القرآني. يقول: "فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرهان في أعلى الطبقات ظهر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواهر الكلام"(40).
    وقد ربط الرماني النص بحسن التأليف فقال: "فأما دلالة التأليف فليس لها نهاية ولهذا صحّ التحدي فيها بالمعارضة لتظهر المعجزة، ولو قال قائل: قد انتهى تأليف الشعر حتى لا يمكن أحداً أن يأتي بقصيدة إلا وقد قيلت فيما قيل، لكان ذلك باطلاً؛ لأن دلالة التأليف ليس لها نهاية"(41) والواقع أن الرماني قد وقف عند قضية أخرى مهمة، وهي شعور المبدع بقلة المعاني حتى قال قائل ما ترانا نقول إلا معاداً، وقف هؤلاء الكتاب حيارى أمام هذا الوضع حيث أصبح النص يكرر المعاني السابقة، وهو شعور بالعجز وبتوقف الآلة الإبداعية في الوصول إلى معاني جديدة، فاللغة تتطور بتطور المعاني؛ لأنها تولد علاقات إسنادية جديدة وهذا ممكن وقد شعر به المعري حيث قال:
    وإنّي وإنْ كنتُ الأخير زمانُهُ لآتٍ بما لمْ تستطعه الأوائلُ
    لقد استطاع الرماني أن يشخص الداء لما ربط ذلك بدلالة التأليف التي ليس لها نهاية، والنص بهذا المفهوم نص مفتوح؛ لأنه يستفيد من طرائق التأليف المتعددة والتي تمكنه من الانطلاق إلى آفاق رحبة. وعلى الرغم من القول "إن محاولة الرماني لم تتعدّ الاستعانة بالمصطلح البلاغي شيئاً كثيراً إلا في جانب التأثير النفسي"(42)، فإنه قد استطاع أن يعقد موازنات بين بلاغة النص القرآني، وبلاغة النص الإنسي، ومثل لذلك بقوله تعالى: ولكم في الحياة قصاصٌ البقرة: 179 وبقول البشر. "القتل أنفى للقتل" وهو مستحسن عند العرب، فرأى التفاوت بين القولين يظهر في أربعة أوجه: فالآية الكريمة أكثر فائدة، وأوجز في العبارة، وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة وأحسن تأليفاً بالحروف المتلائمة. ثم شرح هذه الخصائص الأربعة، فكون الآية أكثر فائدة؛ لأن فيها كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل، وزيادة معانٍ حسنة، منها إبانة العدل لذكر القصاص، ومنها إبانة الغرض لذكر الحياة، ومنها استدعاء بالرغبة والرهبة لحكم الله به.
    ثم إن الآية أوجز؛ لأنها غطت المعنى وزادت عليه بأقل لفظ وهنا مبدأ جمالي منشود في النص، وهو التضييق في اللفظ والتوسع في الدلالة، ويستمر في الموازنة كاشفاً عن الجانبين الآخرين ليصل في الأخير إلى النتيجة التي كان يريد "فباجتماع هذه الأمور التي ذكرناها صارت أبلغ منه وأحسن، وإن كان قولهم بليغاً حسن"(43).
    شكّل النص القرآني النموذج الأمثل عند الرماني لما حواه من خصائص بلاغية أسلوبية فاق بها كل نص آخر، وبذلك حقق الإعجاز في كل جانب من الجوانب الفنية المشكلة للنص. فإذا كانت البلاغة هي الإيجاز كما يقول القدماء، فإن النص القرآني قد حقق الخاصية بتفوق متميز وبتمكن واضح، وجاء الإيجاز على وجهين إيجاز حذف، وإيجاز قصر، ومثل الرماني لكل نوع بنماذج من القرآن الكريم من ذلك وقوفه عند الآية الكريمة وَسيقَ الَّذين اتّقُوا ربَّهم إلى الجَنَّةِ زمراً حتَّى إذا جاءوُها وفُتِحَتْ أَبْوَابُها الزمر: 73. فعلّق قائلاً: "كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير"(44).
    والواقع أن الرماني كشف عن جمالية الإيجاز في النص المقدس، ولكن فاته أن يبين كيف أمكن أن يعبّر النص عن مسكوت عنه؟ وكيف يمكن للنص أن يغطي مساحة أكبر من حدوده؟ وأن يسافر نحو المجهول ليبني حيّزاً في ذلك الفراغ.
    زُود النص بخاصية التعبير عن المسكوت عنه؛ لأن السياق الذي جاءت فيه الآية يحمل على الاعتقاد أن المقصود ليس المذكور إلى غير المذكور، فسياق النص القرآني قد أكد جائزة هؤلاء المتقين، وبمعنى آخر فإن المتلقي على علم بحال الخطاب وتوجهه ويدرك ما المقصود من وراء هذا التركيب. وقد علّل الرماني مثل هذا التفنن قائلاً: "وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر، لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر عن الوجه الذي تضمنه البيان"(45). ذلك أن الذكر فيه إعادة وتكرار، وفيه سلب لحرية المتلقي في قراءته للنص، وغلق لحدود النص المفتوحة على التأويل والقراءة المتعددة، وفيه تقييد الخيال لتصور المتوقع والمحتمل معاً. إن الإيجاز يجعل النص نصاً مفتوحاً، ويحقق في الوقت ذاته مقولة القدماء البلاغة هي الإيجاز، أو التوسع في المعنى والتضييق في اللفظ، ثم إن هذا يتقاطع مع إيجاز القصر الذي يبنى فيه الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى، وقد مثل له الرماني بقوله عزّ وجلّ: إِنَّمَا بَغْيُكُم عَلَى أَنْفُسِكُمْ ( يونس: 23) فقد غطى المعنى من كل جوانبه دون حذف، وقد اشترط الرماني في إيجاز الحذف عدم الإخلال بالمعنى، وأن يحتفظ في الكلام بما يدل عليه، وأن يصادق موقعه، كما اشترط في الإيجاز عموماً أن يكون في المعنى الواحد وأن يكون هذا المعنى مما يكون أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة وألفاظ قليلة. ثم إن إيجاز القصر أغمض عنده من إيجاز الحذف؛ لأنه يجعل النص مفتوحاً على عدة احتمالات ممّا يولد متعة لدى القارئ (المتلقي) ويدفعه إلى التأويل والاستنباط.
    لقد حرص الرماني على أنّ النص القرآني نص متفرد، جاء بلسان عربي مبين ليتحدى العرب في لغتهم محافظاً على بنية اللغة ذاتها. وقد ذهب هماسليف إلى أنّ بنية اللغة هي التي تحدد هوية اللغة وليس الاستعمال، وهي التي تعرفها في مقابل لغة أخرى. إن بنية اللغة هي التي تخصص عدد الوحدات التي تتعامل بها، وتحدد الكيفية التي تصاغ بها هذه الوحدات لإنتاج الألفاظ والكلمات(46). وإن كان هذا الرأي وجيهاً، فإنه يجب أن نشير إلى أن الاستعمال والشيوع والذيوع قد تكون من محددات هوية لغة من اللغات.
    ومع ذلك فإن البنية هي أساس اللغة، وإذا حافظت اللغة على بنيتها؛ فإننا نستطيع القول بأن لنا اللغة نفسها، ولكن السؤال المطروح ألا يؤدي تطور البنية إلى تغيير اللغة، أو بمعنى آخر ألا يؤدي الاستعمال إلى تطوير البنية ومن ثم تطوير اللغة لتنفتح على آفاق أخرى، وتصبح بنية مستفيدة كثيراً من الاستعمال عن طريق النحو الموازي للنحو المعياري، فالبنية، كما عرفها ليفي شتراوس، "تحمل –أولاً وقبل كل شيء- طابع النسق أو النظام، فالبنية تتألف من عناصر يكون من شأن أي تحول يعرض الواحد منها، أن يحدث تحولاً في باقي العناصر الأخرى"(47).
    ويبدو أنّ الرماني قصد إلى هذا؛ حيث ذهب إلى أن بنية النص القرآني بنية عربية حققت عن طريق التحول الإعجاز المرغوب فيه، وهو تحول استفاد كثيراً من خصائص البنية في اللغة العربية، وفي الوقت ذاته لم يهمل الاستعمال، بل إنه أكد أن البنية المكوّنة للنص القرآني هي البنية نفسها المكوّنة للنص عند العرب استعمالاً، وقد ذهب هيمالسيف إلى أن وضع العلامة يخضع لقوانين الوضع في اللغة ذاتها، وهو إن كان اعتباطياً؛ فإنه يخضع لقوانين هذه اللغة، أو لبنية هذه اللغة، والاستعمال هو الذي يختار من المتوقع والمحتمل من هذه العلامات(48).
    ويبدو أن الرماني كان يريد التأكيد على هذا الأمر، وهو أن النص القرآني قد استفاد من المتوقع والمحتمل من أنظمة العلامات في اللغة العربية، وفاق في ذلك كل نص آخر. وانطلاقاً من هذا الزعم فإن النص عند الرماني نصان، نص فاق كل التوقعات وحقق الإعجاز، ونص إنسي بليغ، لكنه لا يرتقي إلى مرتبة الأول، وهو غير معجز.
    "وإذا كان الرماني قد استطاع إجراء المقارنة بين بعض صور الإيجاز في كل من القرآن وكلام البلغاء وبين فضل الإيجاز في القرآن على غيره؛ فإنه لم يفعل ذلك عندما درس بقية الأقسام البلاغية"(49). ويبدو أن الرجل لم يتمكن من الأدوات التي تساعده على ذلك، أو أنه أراد التمثيل، لا التحليل والوقوف الطويل عند كل قضية، فما عمله إلا رسالة كتبها ليشير فيها إلى قضية الإعجاز، ولم تكن مؤلفاً شاملاً ككتاب تأويل مشكّل القرآن لابن قتيبة، أو كتاب إعجاز القرآن للباقلاني.
    حدد العسكري مفهوم النص قبل أن يباشر عمله في الكشف عن سر الصناعتين، "ومع أن كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري (ت 395 هـ) لم يؤلف لإثبات الإعجاز، فإن هذه الفكرة كانت من العوامل الكبيرة التي وجهت المؤلف إلى تصنيف الكتاب، فهو في نهاية المطاف بلاغي"(50) وانطلاقاً من هذا الزعم كان النص عند هذا الناقد وفق التشجير التالي:

    إن النص عند العسكري ينطلق من الواقع، ينطلق مما هو موجود ليؤسس للنص الممكن الوجود أو المتوقع حدوثه أو المتخيل، فهناك النص الإلهي المعجز والذي لا يمكن الوقوف على خصائصه الجمالية والفنية إلا بالرجوع إلى البلاغة، فهي التي تكشف على أنه نص متميز لا يمكن الإتيان بمثله، وهناك النص الإنسي، وهو نص ممكن الحدوث ويستطيع الإنسان الإتيان بمثله، بل قد يتفنن فيه ويتحكم في ذلك. ثم كان النص عنده صناعتين: شعر ونثر.
    ولهذا ركز العسكري على التشكيل الفني، يقول: "وليس الشأن في إيراد المعاني، لأن المعاني يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي، وإنما هو في جودة اللفظ وصفاته، وحسنه وبهائه ونزاهته ونقائه. وكثرة طلاوته ومائه، ومع صحة السبك والتركيب، والخلو من أود النظم والتأليف، وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صواباً، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتى يكون على ما وصفنا من نوعيته التي تقدمت"(51).
    يقوم النص بحسب هذا المفهوم على ثنائية اللفظ والمعنى في سياق التأليف والصناعة، فلا مندوحة في اللفظ إن لم يحمل معنى، ولن يحمل معنى إلا إذا استعمل. يقول العسكري عن حسن التأليف ودوره في التعبير: "وحسن التأليف يزيد المعنى وضوحاً وشرحاً، ومع سوء التأليف ورداءة الرصف والتركيب شعبة من التعمية، فإذا كان المعنى سبباً، ورصف الكلام ردياً لم يوجد له قبول، ولم تظهر عليه طلاوة وإذا كان المعنى وسطاً، ورصف الكلام جيداً كان أحسن موقعاً وأطيب مستمعاً"(52). فالميزة إذن في التشكيل الفني للنص، وهو مدار كل تفاضل وتقويم، والواقع أن العسكري لم يحاول "أن يرسم نظرية للنظم على نحو ما فعل الإمام عبد القاهر، ولكنه شغل بالحديث عن المعاني والتنبيه على خطئها وصوابها"(53)؛ لأنه ركز على التشكيل البلاغي للنص، فكان النص عنده "بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه إلى ما يليق بها كان رائعاً في المرأى وإن لم يكن مرتفعاً جليلاً، وإن اختل نظمه فضُمت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقاً ثميناً"(54). ولا بد لهذا العقد من ناظم يحسن صناعته ويتفنن في تشكيله، إن العسكري يؤكد على براعة الفنان في نظم الكلام، وقد حدد شروطاً لهذه العملية حيث عقد فصلاً للحديث عن كيفية نظم الكلام والقول في فضيلة الشعر وما ينبغي استعماله في تأليفه، يقول: "إذا أردت أن تصنع كلاماً فأخطر معانيه ببالك، وتنوّق له كرائم اللفظ، واجعلها على ذكر منك، ليقرب عليك تناولها، ولا يتعبك تطلبها، واعمله ما دمت في شبابك نشاطك فإذا غشيك الفتور، وتخوّنك الملال فأمسك.."(55)، وبذلك فإن هذا الناقد يؤكد على قضية مهمة وهو أن تشكيل النص يقتضي توقيتاً ملائماً حتى يخرج في أحسن صورة وأبهاها ويحقق مبدأ "السهل الممتنع" الذي يعتمد الاختيار الملائم لكل العناصر المكونة للنص سواء أكانت داخلية تخص طبيعة اللغة ونفسية مستعملها، أم خارجية تخص وظيفة النص داخل مجتمع معين.
    ويقود مثل هذا التحليل إلى الاهتمام بالكتابة الفنية وتحديد خصائصها، والكشف عن ما يليق بها وما هو دون تلك. يقول: "ينبغي لصانع الكلام ألا يتقدم الكلام تقدماً، ولا يتبع ذناباه تتبعاً ولا يحمله على لسانه حملاً؛ فإنه إن تقدم الكلام لم يتبعه خفيفه وهزيله وأعجفه والشارد منه. وإن تتبعه فاتته سوابقه ولواحقه، وتباعدت عنه جياده وغرره، وإن حمله على لسانه ثقلت عليه أوساقه وأعباؤه ودخلت مساويه في محاسنه"(56). وهو بهذا يؤكد على أنّ الكتابة الفنية الجيّدة هي التوقيت الحسن لكل شيء له علاقة بفن القول والكلام والإبداع من معرفة جيدة باللغة وبأسرارها وتحسس بمواطن الجمال والقوة فيها ومواطن الضعف، ويربط هذا بالحالة النفسية للمتكلم مدعماً نظريته هذه بنص بشر بن المعتمر يقول فيه: "خذ من نفسك ساعة لنشاطك، وفراغ بالك، وإجابتها لك، فإن قلبك في تلك الساعة أكرم جوهراً، وأشرف حسناً، وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل غرة من لفظ كريم ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولاً قصداً، وخفيفاً على اللسان سهلاً، وكما خرج عن ينبوعه ونجم عن معدنه"(57).
    إن التوقيت الحسن بالنسبة للكتابة شيء مهم وضروري وقد احتمل العسكري لذلك ثلاثة منازل(58):
    1-"فأول الثلاث أن يكون لفظك شريفاً عذباً وفخماً سهلاً، ويكون معناك ظاهراً مكشوفاً، وقريباً معروفاً. فإن كانت لا تواتيك، ولا تسنح لك عند أول خاطر وتجد اللفظة لم تقع موقعها، ولم تصل إلى مركزها، ولم تتصل بسلكها، وكانت قلقة في موضعها، ونافرة عن مكانها، فلا تكرهها على اغتصاب الماكن والنزول في غير أوطانها..".
    2-"فإن ابتليت بتكليف القول، وتعاطي الصناعة، ولم تسمح لك الطبيعة في أول وهلة، وتعصّى عليك بعد إجالة الفكرة فلا تعجل، ودعه سحابة يومك ولا تضجر، وأمهله سواد ليلتك وعاوده عند نشاطك، فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة وجريت من الصناعة على عرف وهي المنزلة الثانية".
    3-فإن تمنّع عليك مع ترويح الخاطر وطول الإمهال، فالمنزلة الثالثة أن تتحول عن هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك، وأحقها عليك فإنّك لم تشهها إلا وبينكما نسب، والشيء لا يحنّ إلا إلى ما شاكله، وإن كانت المشاكلة قد تكون في طبقات، فإن النفوس لا تجود بمكنونها، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة كما تجود مع الرغبة والمحبة.
    والواقع أن العسكري لم يقف عند هذا الحد، بل ربط كل ذلك بالمتلقي، ولم يحصر عملية التشكيل في المبدع وحده بل قرنه بالمتلقي، وبسياق الحال، يقول: "وينبغي أن تعرف أقدار المعاني، فتوازن بينها وبين أوزان المستمعين، وبين أقدار الحالات، فتجعل لكل طبقة كلاماً، ولكل مقام من المقال، فإن كنت متكلماً، أو احتجت إلى عمل خطبة لبعض من تصلح له الخطب، أو قصيدة لبعض ما يراد له القصيد، فتخط ألفاظ المتكلمين، مثل الجسم والعرض والكون والتأليف والجوهر فإن ذلك هجنة"(59).
    ولعل السؤال المطروح هل تحقق هذا النص الذي كان ينشده العسكري؟ أو هل هو ممكن الوقوع والحدوث؟ أو لنطرح السؤال بكيفية أخرى، ما هو المسكوت عنه في كلام هذا الناقد؟ وماذا أراد ولم يفصح عنه؟
    لقد تحقق هذا النموذج في النص الإلهي (القرآن الكريم) الذي حوى الحسن والجمال من جميع الجوانب، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق إدراك علوم البلاغة كما حددها العلماء، وكما أجمل الحديث عنها العسكري في مؤلفه هذا.
    ويذهب الخفاجي إلى أن النص هو نتاج صناعة تشترط خمسة عناصر حتى تأتي على أحسن وجه يقول: "إن كل صناعة من الصناعات كمالها بخمسة أشياء على ما ذكره الحكماء: الموضوع، وهو الخشب في صناعة النجارة، والصانع، وهو النجار، والصورة، وهي كالتربيع المخصوص إن كان المصنوع كرسياً، والآلة مثل المنشار والقدوم وما يجري مجراهما، والغرض، وهو أن يقصد على المثال الجلوس فوق ما يصنعه"(60). فإنتاج النص عملية مركبة ومعقدة تحتاج إلى شروط لإنجاحها.
    ويرتبط هذا المفهوم عند الخفاجي بتحديده لمفهوم الفصاحة والبلاغة؛ فالفصاحة عنده هي: "نعت للألفاظ إذا وجدت على شروط عدة، ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ، وبحسب الموجود منها تأخذ القسط من الوصف، وبوجود أضدادها تستحق الإطراح والدم وتلك الشروط تنقسم قسمين: فالأول منها يوجد في اللفظة الواحدة على انفرادها من غير أن ينضم إليها شيء من الألفاظ وتؤلف معه، والقسم الثاني يوجد في الألفاظ المنظومة بعضها مع بعض"(61). ومن هنا فالفصاحة عند الرجل هي حسن التأليف في الموضوع المختار، ويكون النص عنده هو ذلك الكلام الذي يحقق مبدأ الفصاحة كما عالجه في مؤلفه هذا.
    وعقد ابن سنان الخفاجي فصلاً للحديث عن الكلام، وربطه بالكتابة التي هي أمارات للحروف بالمواضعة. يقول: "فلو كان لا بد من كلام يوجد مع الكتابة لأجل الفائدة الحاصلة بها لوجب ذلك في جميع ما ذكرناه، وذلك محال لا يحسن الخلاف فيه، ومما يدل على أن التلاوة للقرآن لا يوجد معها شيء آخر أن القائل: (بسم الله الرحمن الرحيم) متعوذا بها غير قاصد إلى تلاوة القرآن يوجد الكلام من فعله، فلو كان إذا قصد حاكياً لكلام الله تعالى وجد كلام آخر، لكان إذا قصد حكاية كلام كل من تلا القرآن يوجد كلامهم أجمع عند قصده، فيقوي إدراكنا للكلام من حيث نسمع كلاماً كثيراً في هذه الحال، وفي غيرها شيئاً واحداً، وهذا واضح"(62) وهكذا بعد أن يحدد الكلام، يخصص فصلاً في ذكر الفرق بين المنظوم والمنثور، وما يقال في تفضيل أحدهما عن الآخر. يقول: "أما حد النثر فهو حد الكلام الذي ذكرناه في هذا الكتاب، وأما حد الشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى، وقلنا –كلام- ليدل على جنسه، وقلنا –موزون- لنفرق بينه وبين الكلام المنثور الذي ليس بموزون، وقلنا –مقفى- لنفرق بينه وبين المؤلف الذي لا قوافي له، وقلنا –يدل على معنى- لنتحرز من المؤلف بالقوافي الموزون الذي لا يدل على معنى"(63). ومع ذلك يبقى السؤال مطروحاً هل يمكن فعلاً الفصل بين هذين الجنسين من الأجناس الأدبية؟ مع العلم أنه قد تتداخل الأجناس الأدبية إلى درجة تنمحي معها كل هذا الفروق.
    وبعد فإن السؤال المهم هو ألم يكن تحديد هؤلاء النقاد لمفهوم النص نابعاً من قراءة مذهبية (إيديولوجية) تقوم على الموازنة بين النص القرآني والنص البشري، تعتمد على ترويض النص واحتوائه ليخدم هذا الزعم. إنه مبدأ مهم يقوم على خاصية التلاؤم والتغاير في النصيين.
    3-البلاغة والفصاحة والإعجاز:
    قد يبدو من نافلة القول أن نذكر أن هذه المفاهيم مرتبطة مع بعضهما بعضاً ارتباطاً وثيقاً؛ لأن لها علاقة بفن القول والإبلاغ والتواصل، وصولاً إلى معجزة الرسول وفهم كتاب الله الذي نزل بلسان عربي مبين، فدعت الضرورة إلى تعلم اللغة العربية وتعلم قوانين أساليبها والتحكم. ووجد أن أسلم عدد كبير من الأعاجم لا يتقن التلفظ باللغة العربية؛ فظهرت الحاجة إلى تقريب نصوص القرآن إلى هذا الجمهور من المسلمين الجدد. يقول الأزهري: "نزل القرآن الكريم والمخاطبون به قوم عرب أولو بيان فاضل وفهم بارع، فتدربوا به يعرفون وجوه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، ولا يحتاجون إلى تعلم مشكله، وغريب ألفاظه حاجة المولدين الناشئين، وبيّن النبي، للمخاطبين من أصحابه ما عسى الحاجة إليه من معرفة بيان لمجمل الكتاب وغامضه، ومتشابهه. فاشتغلوا بذلك عمّا نحن محتاجون من معرفة لغة العرب والتبحر فيها والاجتهاد في تعلم العربية الصحيحة التي بها نزل الكتاب.. وقال الشافعي: إن تعلم العربية التي بها يتوصل إلى تعلم ما به تجري الصلاة من تنزيل وذكر فرض على عامة المسلمين. وإن على الخاصة، التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لديهم، الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها التي تمام التوصل إلى معرفة ما في الكتاب والسنن والآثار"(64).
    إن الأزهري في موقفه هذا يؤسس إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية؛ لأنها قد انتقلت من مستوى لغوي بشري، إلى مستوى قداسي، وتمكنت من أن تصبح لغة عالمة تنقل المعارف والعلوم لحضارة جديدة يبنيها المسلم. لقد أصبحت شرطاً ضرورياً من شروط الإيمان؛ ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد أصبح لزاماً أن يتعلم المسلم الجديد هذه اللغة حتى يقترب أكثر من هذا الدين الجديد.
    ويؤكد ابن خلدون هذا الزعم بقوله: "فلما جاء الإسلام وفارق العرب الحجاز، لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول، وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكة، بما ألقي إليها السمع من المخالفات التي للمتعربين من العجم، والسمع أبو الملكات اللسانية. ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع. وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأساً ويطول العهد فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد ويقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه"(65).
    إن الرعيل الأول من المسلمين لم يجد صعوبة في فهم القرآن الكريم؛ لأنهم كانوا على درجة من الفصاحة والبلاغة مكنتهم من فك المستغلق من النصوص والارتقاء به إلى مستوى التواصل. والواقع أن الباحث يتملكه السؤال المحيّر حول قدرة العربي على التعبير بأساليب البلاغة المختلفة عفواً من دون تكليف وتصنع. وهذا لا يتناقض مع ما عرف عن بعض الشعراء من مبالغة في تنقيح الشعر وتثقيفه، حتى عرفوا بشعراء الحوليات أو المنقحات، وكان عملهم هذا ينبع من غايتهم في تجويد الشعر حتى تخرج القصيدة كلها مستوية الجودة محققة لمبدأ الطموح للرقي إلى أسمى درجات ممكنة من التعبير.
    ويبدو أن فنون البلاغة العربية كانت مدار مناظرات الشعراء، فيما بينهم، وفيما كان يدور في أسواق العرب ومجالسهم من حوار حول تلك الأشعار، وهي التي شكلت أوليات النقد الأدبي، ومن خلالها تعرف العرب إلى أسس قراءة النص الأدبي، فوجد منهم من أخذ يميز بين محاسن الكلام وعيوبه على أساس مقاييس تتصل باختيار الألفاظ والمعاني والصور الشعرية.
    ومع ظهور الإسلام أخذت تلك الملاحظات النقدية تتعمق وتتجذر؛ إذ كان الكتاب المقدس عاملاً قوياً في تطور اللغة الإبداعية؛ حيث كشف عن تنوع في الاستخدام اللغوي واضعاً لعلاقات إسنادية جديدة وسّعت من مجال الفكر العربي، ونوعت مجالاته عن طريق الصلات الجديدة للألفاظ بالمعاني فتطورت الألفاظ دليلاً.
    كان القرآن الكريم حجة البلاغة في أيدي الرسول، ولا ريب أن الموازنة بين التعبير الإلهي والتعبير الآدمي قد نبهت على المميزات اللفظية والمعنو
    مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

    لا يوجد حالياً أي تعليق


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 13:06