لوحة مسيحية
بقلم : ابراهيم عثمان
جلس أمام التلفاز كعادته .. أشعل سيجارة ومد رجليه ثم راح يتأمل أصابعه الواحدة تلو الآخرى .. تساءل في حيرة كيف ومتى فقد اصبعين من أصابع رجليه ..بحث عن حزمة الجرائد التي جلبها من مكتبة الحي ليلة البارحة.. تصفحها واحدة واحدة.. مد يده الى آلة التحكم عن بعد.. ثبت التلفاز على قناة الجزيرة مباشر، ليتابع جنازة البابا يوحنا بولس الثاني.. استوقفته هذه العبارة التي استهل بها وصيته " كلي لك يا مريم العذراء".. حاول أن يعمل فيها مبضعه بتشريحها علميا .. استعار من علم النفس اللغوي ادواته قبل ان يلجأ الى علوم أخرى تمكنه من فض بكارة هذه العبارة التي تفوه بها هذا القديس التي تقدمت به السنون دون أن تنسيه أم المسيح ودون تطفئ فيه جذوة الحب للعذراء مريم.
أشعل سيجارة ، ثم قام الى مكتبته ، وراح يبحث عن مجموعة الاناجيل التي وصلته عن طريق البريد المسجل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا وايطاليا.
كان على اتصال دائم بجمعيات كثيرة يزعم مؤسسوها أنهم ينشطون من أجل مد الجسور بين الشرق والغرب .. أحدهم وهو رجل طاعن في السن عاش متنقلا بين فرنسا وايطاليا ودول المغرب العربي كتب له يقول:" لقد صنع الله الانسان ليعيش لا ليموت .. ويعد الخالق بأن التمتع بالحياة الابدية سيكون ممكنا عما قريب هنا على الارض".أشعياء 08025 .
وكتب له آخر يقول : " لماذا من الحكمة أن تمتحن دينك؟.. لدينا سبب وجيه للتفكير بجد في ما يتعلق بموقفنا من الله.ولماذا ؟ لأن الادلة تبرهن أن الله قريبا سيهلك الاشرار، ويؤسس نظامه الجديد البار . ولذلك يجب علينا أ ن نسأل أنفسنا: هل أعبد الله بالطريقة التي يرضى بها؟. ان الله لا الانسان هو الذي يحكم في ما يرضيه . ولكي نوفي وجهة نظر الله، يلزمنا الذهاب الى الكتاب المقدس. فهنالك يخبرنا بوضوح عن المسلك الذي يجب علينا اتباعه اذا أردنا نيل الحياة الابدية"(أمثال 3و1و2 ).
وكتب له ثالث يقول : " كتب يعقوب الى المسحيين الاولين يقول : احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين ان امتحان ايمانكم ينشئ صبرا"( يعقوب 2و3).
انتابه احساس شديد بالخوف من هذه الرسائل القصيرة الملغمة التي تصله بين الفينة والفينة..الرسالة الأولى تتحدث بجرأة كبيرة عن امكانية الخلود والتمتع بالحياة الابدية فوق هذه الارض وجميع الاديان تقر هذه الامكانية دون استثناء.
لكن عرافة الحي.. هذه العجوز التي يقال أنها تتلمذت على يدي أحد الشيوخ.
ذهبت في قراءتها الى أبعد من ذلك بكثير، حيث قالت :" ان هذه الارض ستظل مستباحة وان امكانية الخلود هو دعوة أخرى لبقاء الاستعمار.
أما الرسالة الثانية ، فتحدث كاتبها بلغة لبرالية عن امكانية امتحان التاريخ من خلال امتحان الدين بامتحان قوة الخالق من المخلوق.. وكيف يمكن لهذا الكائن المخلوق أن يكون مخلوقا ليس الا. أما عرافة الحي فتحدثت بلغة أخذت من الخرافة سحرها ومن علم الكلام قدرته على اثبات العقائد الدينية بالحجاج والادلة العقلية والنقلية معا.. اذ قالت: أنت ترى.. وهو يرى.. ونحن نرى.. ورؤيته ستظل ناقصة اذا لم نذهب الى كتابه المقدس، لنأخذ عنه على الاقل رؤيتنا له قبل أن تنطفئ رؤيته في قلوبنا وأرواحنا.. نحن اذا لا نستطيع أن نرى حيث يجب أن نرى لان رؤية الله تقتضي رؤية الذات.. واذا صادف وأن رأينا شيئا ما حتى وان كان كتابه المقدس فان نوايانا الخبيثة تذهب بعيدا عن ذلك الشيء الجميل.. لذلك فمن الحكمة أن نلتزم الصمت، ونترك الادلة التي وعدنا بها كتابه تبرهن عن هلاك الاشرار وظهور نظام جديد يأخذ بيد الانسان.
ربما.. ربما.. قد يكون لكلامي هذا ما يبرره .. انها فكرة جميلة أليس كذلك؟..
كانت الكلمات تتحرك بميزان من فوق وتحت لسانها.. وكان أتباعها يتحلقون من حولها ليأخذوا عنها الحكمة التي حرمتهم من الفوز بالابدية، لولا وصيته التي خرجت عن المألوف والمكشوف.. "كلي لك يا مريم العذراء".
استدارت قليلا نحو وادي سيبوس.. أشارت الى شجرة الدردار التي تقف وسط الماء، وطلبت من اتباعها أن يأتوها بحفنة ماء من المياه التي تمر من بين أغصانها لكي تسقي بها هذه الاشجار التي نبتت على الضفتين.. تحرك الاتباع جريا نحو الوادي.. غطسوا أيديهم وعادوا جريا. وعندما فتحوها في حضرتها وجدوها فارغة.
عندئذ قالت لهم بلهجة ضاحكة :
- أنتم خلقتم للغش وأنا خلقت لكي أروي العطش.
حملوا هذه العبارة وعبروا الوادي في ليلة ماطرة قاطعين الفيافي والشعاب لعلهم يجدون من يفك لهم هذا اللغز الذي دحرجته عرافتهم في طريقهم وهم الذين قصدوها من أجل أن تمكنهم من فهم وصية البابا بولس الثاني.
أثناء سيرهم الحثيث التقوا بشيخ مسن يفلح أرضا بورا فسألهم قائلا:
- الى أين تريدون؟.
- نريد أن نلحق جنازة البابا قبل أن توارى تحت التراب.
ضحك الشيخ طويلا .. ثم دعاهم الى تناول شيئا من الزيتون والكسرة.. واثناء تناول الطعام راح يحدثهم عن قصة المسيح كما سمعها من أحد الشيوخ الذين تخصصوا في المسيحية.. ظل يحدثهم بلغة العارف المتمكن حتى غلبهم النعاس عندئذ أجهز عليهم بفأس كانت معه.. ثم اتصل بالحراس وروى لهم بلغة ناشزة قصة ذلك الرجل الذي استطاع أن يغافل حراس الملكة ويتسلل الى مخدعها، ليسرق من عينيها النور والاحساس .
اذ ا هل سنمضي في حفرنا ، أم سنكتفي بأن نمني نفوسنا بظهور هذا النظام الجديد ..
أليس هذا ما يبشر به المسيح عليه السلام في كتابه.. انها الابدية التي يجب أن نتطلع لها، لان في مثل هذه الظروف يصعب التكهن بخلود النفس التي تحاصرها الحروب والكروب، لان الشر من طبيعة البشر. وما عدا ذلك فان الحياة ستستمر سواء انحاز الناس الى الشر أم لم ينحازوا.
ازداد غيضا عندما رأى عشيقته تمسك بقطتها وتدخل الى غرفة الحمام، وهي تدندن بأغنية كانت والدتها عندما تشتاق الى تلك البقاع التي تحتفظ بذكرياتها تنتشي ثم ترمي بعباءتها في الهواء، لتنخرط في الرقص مع الصخور والاشجار والاودية والسهول .
الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:10 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات بافضل الديكورات والابداعات الجديده والمستمر في المشبات حيث نقوم بكافت اعمال المشبات بافضل الاسعار واجمل التصميم ديكورات روعه ديكورات مشبات حديثه افضل انواع المشبات في السعوديه افضل اشكال تراث غرف تراثية
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 14:30 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات صور مشبات رخام صور مشبات ملكيه صور مشبات فخمه صور مشبات روعه صور مشبات جد
الإثنين 26 أكتوبر 2020 - 12:59 من طرف جمال ديكورك
» صور مشبات ومدافى بتصميم مودران مشبات رخام جديده
الثلاثاء 26 مايو 2020 - 14:26 من طرف جمال ديكورك
» كراس التمارين والكتابة للسنة الاولى ابتدائي
الأحد 13 أكتوبر 2019 - 1:44 من طرف kaddour_metiri
» تصميم بابداع وعروض لجمال ديكور بيتلك صور مشبات مشبات رخام مشبات الرياض
الإثنين 14 يناير 2019 - 23:34 من طرف shams
» بيداغوجية الدعم بدل الاستدراك
الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:31 من طرف shams
» بالمحبة والاقتداء ننصره.
الأربعاء 11 يوليو 2018 - 12:58 من طرف shams
» Le Nom .مراجعة
الجمعة 25 مايو 2018 - 17:22 من طرف أم محمد